مقال طويل
دبلوماسية للبيع: كيف تم شراء ثم إضاعة منصب سفير
قصة علي رضا منفرد، الإيراني الذي حاول شراء حصانة دبلوماسية بعد اختلاس ملايين الدولارات.
26 نوفمبر 2019 | 27 دقيقة قراءة
مظهره – الأطقم المفصلة خصيصاً، وربطات العنق الحريرية والأحذية المصنوعة يدوياً – ذلك كان كل شيء بالنسبة لعلي رضا منفرد.
ولذلك، عندما هوى من بهاء ما كان يلبسه من ماركات تجارية إلى الزي الأزرق الفاتح الخاص بسجن إيفين سيء الصيت في إيران، كانت المفارقة شديدة الوطأة بالفعل.
كما أن شعره المصفف بعناية فائقة غزاه بياض الشيب بغزارة منذ أن ألقت الشرطة الدولية الإيرانية القبض عليه في منتجع كاريبي في عام 2017.
في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2019، أدين منفرد باختلاس ملايين الدولارات من بلاده، في واحد فقط من خيوط شبكة عالمية من الاحتيال المالي والدبلوماسي والشخصي أودت به إلى أن يُحكم عليه بالسجن عشرين عاماً وبدفع غرامة قدرها 1.3 مليار دولار أمريكي.
كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ من ذلك. ففي عام 2016 حكم على شريك منفرد، رجل الأعمال الملياردير باباك زنجاني، بالإعدام على دوره في اختلاس 2.8 مليار دولار من عائدات النفط الإيراني.
بفضل ما يتمتع به من كاريزما ومهارة في الاحتيال، بلغ منفرد شأواً عظيماً. فمن بدايات متواضعة في مجال تزيين البيوت، انطلق بسرعة فائقة ليحقق نجاحات باهرة، فغدا مصرفياً ثم تاجر نفط دولياً وأخيراً "سعادة الداتو علي رضا منفرد"، سفير الدومينيكا في ماليزيا.
تمكن منفرد في عام 2015 من الحصول على جواز سفر دبلوماسي، ثم بفضله، ما اعتبره منتهى ما كان يرنو إليه – الحصانة الدبلوماسية.
أجنبي ذو كاريزما
في عام 2012، وصل منفرد إلى لبوان، وهي جزيرة ماليزية صغيرة مقابل ساحل بورنيو، أجنبي ذو كاريزما تحدوه طموحات كبيرة.
يقول مانوج بولار، مالك شركة لوجستيات بحرية في لابوان: "لا تملك عملياً إلا أن تقع في غرامه لما يملكه من لسان عذب. فقد كان علي يملك القدرة على إقناع أي شخص بفعل أي شيء." ينادي منفرد باسمه الأول، علي، لأنهما كانا ذات يوم من أعز الأصدقاء.
عندما التقيا في عام 2012، ادعى منفرد بأنه وكيل للحكومة الإيرانية، يعمل بتوجيه من باباك زنجاني على نقل النفط من إيران.
فنظراً لأن إيران كانت رهن العقوبات "كانت لديهم مشاكل" كما يشرح بولار.
عندما اقترح بولار حلاً لهذه المشاكل، كان ذلك مؤذناً ببدء علاقة ما لبثت أن غيرت مجرى حياته.
آل بولار
سمعت عن منفرد للمرة الأولى في صيف عام 2018، فقد كنت مهتماً بموضوع بيع جوازات السفر الدبلوماسية في منطقة الكاريبي وبدأت بجمع المصادر من خلال أحد المعارف الذي كان على صلة بزوجة بولار، واسمها كيران، التي كانت هي وزوجها قد وقعا ضحية احتيال منفرد، فكانت كيران تبعث إلي برسائل نصية طويلة حول بحثها عن العدالة.
كانت حكايتها مذهلة، فطلبت منها لقاء مباشراً، ولكن على الرغم من أنه كان واضحاً أنها ترغب في الحديث إلا أنها بدت مترددة في اللقاء.
ثم وافقت في نهاية الأمر ولكنها لم تعدني بشيء. فما كان مني إلا أن شددت الرحال إلى كوالالمبور ترافقني المراسلة ديبورا دافيز والمصور ماني باناريتوس دون أن يكون لدينا ضمان بإجراء مقابلة معها.
التقينا بآل بولار على غداء داخل مركز للتسوق.
فيما بعد قالت ديبورا دافير: "في العادة ترسم صورة ذهنية للناس الذين توشك على الالتقاء بهم، ثم إذا بهذين الزوجين الأنيقين حقاً، بما أوتيا من كاريزما ومظهر رائع، يسيران نحونا." كان من اليسير ملاحظة مدى توافق آل بولار مع نمط الحياة الفاتن الذي كان يعيشه منفرد.
فيما بعد أخبرني بولار أنه هو الآخر تشكلت لديه صورة ذهنية حول كيف كان الغداء سيمضي: كان سيجلس، وسيصافحنا، وسيرفض بكل أدب الحديث، ثم يغادر.
ولكن لم يكن ذلك هو الذي حدث.
بدلاً من ذلك أفرغ الزوجين عن كاهليهما سنوات من الإحباط المكتوم والندم على تعاملاتهما مع منفرد.
حينما أوشك لقاؤنا على دخول ساعته الثالثة، تحول الحديث إلى لبوان. قلت لهما إنني طالما سمعتها توصف بأنها جزر كايمان الآسيوية، نظراً لما تتميز به من أحكام مالية مرنة ووجود الكثير من الشركات الصورية. كنت أرغب في زيارتها ولكن قيل لي إن ذلك محال لكوني صحفياً.
إلا أن آل بولار بددا مخاوفي ووجهوا لنا دعوة لزيارتهم هناك، وقال بولار مازحاً: "إنها جزيرتي." وفعلاً، منذ اللحظة التي وطئت فيها أقدامنا أرض الجزيرة تشكل شعور لدينا بأنها كانت كما قال.
لبوان
تعتبر لبوان أفضل مرفأ طبيعي في بورنيو. وفعلاً، كلمة لبوان بلغة الملايو تعنى المرفأ. ولهذا السبب ما لبث الناس يتصارعون حولها منذ سنين. فقد استولى عليها اليابانيون أثناء الحرب العالمية الثانية وقضى عدد كبير من جنود الحلفاء نحبهم وهم يحاولون استعادتها منهم.
ليس هذا تاريخا بالنسبة لآل بولار، وإنما تراث عائلي. قال بولار مفسراً ذلك لي: "كان جدي عنصراً في كتيبة البنجاب ... أرسل سبعة وستون منهم إلى لبوان لقتال اليابانيين، وكانوا في ذلك لوحدهم، فلم ينج منهم سوى أربعة كان جدي واحداً منهم."
قرر جده البقاء.
حين يقف بولار على رصيف المرسى، فإنه يشعر أنه في داره وفي حالة من الانفراج، فلم يعد رجل الأعمال القلق الذي قابلناه في كوالالمبور.
قال لي شارحاً: "منذ أن كنا أطفالاً نشأنا والدي على حب البحر. كان لديه قارب، وكان يطلب منا القفز من هذا الرصيف هنا ثم يكون لزاماً علينا أن نسبح كل المسافة إلى الجزيرة هناك."
عندما وصل منفرد إلى الجزيرة كانت وكالة بولار للخدمات البحرية تعمل بشكل جيد، وحتى حين تحسنت الأوضاع بينما كان منفرد يبحث عن طريقة للالتفاف حول العقوبات المفروضة على النفط الإيراني.
وكان بولار هو من اقترح عليه الحل. فقد سمع عن وجود ثغرة، أو على الأقل مساحة غير مجربة، في القانون، ومفادها أنه إذا ما تم خزن النفط في منطقة أوفشور لفترة معنية من الزمن، فإن نسبته إلى بلد المنشأ تنتهي ويصبح نفطاً ماليزياً، وحينها لا يغدو خاضعاً لأي عقوبات.
لم يمر وقت طويل قبل أن يبدأ منفرد وبولار في إدارة عملية ضخمة لتوريد وخزن النفط من مقرهما في مرفأ لبوان.
قال بولار شارحاً ذلك: "كانت السفن تأتي من إيران ... وكانت ناقلات النفط تتوقف هنا تماماً، ثم تأتي ناقلة النفط الأم إلى هنا وتفرغ ما فيها من نفط في ناقلاتنا التي تنطلق من بعد، وبذلك نخزن النفط كله قريباً من الخليج ههنا. كانت كل ناقلة تحمل إلى هنا ما بين مليون ومليوني برميل."
كانت لدى شركته ثمان وحدات تخزين في مختلف أرجاء ماليزيا حيث كانوا ينتظرون قدوم السفن، فإذا ما وصلت نقلوا إليها النفط المخزن، ثم تبحر به بعد ذلك إلى الصين حيث يباع.
مشت الأمور إلى حين، وكان بولار يقوم بالمهام اللوجستية البحرية بينما كان منفرد يتولى أمور المال، ثم في 2013 ألقي القبض على زنجاني.
حينها توقفت العملية تماماً، ولكن ظل آل بولار ومنفرد أصدقاء حميمين، يشتركون معاً في الواجبات والإجازات العائلية.
مركز مالي في بلدة صغيرة
من أجل فهم العلاقات المتداخلة التي دمرت حياة آل بولار قد يكون من المفيد فهم لبوان.
بادئ ذي بدء، لبوان صغيرة الحجم – إذ لا تزيد مساحتها عما يقرب من 93 كيلومتراً مربعاً (36 ميلاً مربعاً). الجزء الجنوبي من الجزيرة هو الأكثر تطوراً، حيث توجد فيه بضعة فنادق فاخرة ينزل فيها عمال النفط ورجال الأعمال الدوليين. يطل على الميناء، في القلب من وسط البلدة، مجمع مالي مرتفع يؤوي ما يزيد عن 6500 شركة أوفشور.
وبذلك فهي المكان المثالي لشخص مثل منفرد ولما يقوم به من عمل، فهي جزيرة نائية اقتصادها يعتمد أساساً على التمويل الدولي وعلى النفط والغاز، ومعدلات الضريبة فيها متدنية وتتمتع بحماية توفرها لها الدولة الماليزية، بما يعني أنها تستفيد من اتفاقيات الضريبة المزدوجة – وهي عبارة عن تشكيلة من الإعفاءات الضريبية – التي وقع عليها سبعون بلداً، وذلك بحسب ما أوردته مؤسسة الاستشارات ديزان شيرا وشركاه.
فهي مركز مالي في نفس الوقت الذي هي فيه بلدة صغيرة.
إحساس سكان لبوان بأنهم مجتمع صغير متكافل قد يفسر لماذا تجد كيران صعوبة في التصديق بأن منفرد ثبت أنه شخص لا خير فيه، وتقول مفسرة ذلك: "لقد كان لطيفاً جداً مع الجميع، وكان دائماً يناديني يا أختي."
وأضاف بولار: "لقد كان أقرب إلينا من أفراد عائلتنا."
وقال بولار إن منفرد انتابه الخوف عندما بلغه اعتقال زنجاني وأضاف: "ظللت أفكر، لماذا ينبغي أن تخاف إذا لم تكن مذنباً."
ولكن ما أن توضحت معالم مخطط النفط والاختلاس حتى أدرك آل بولار أن صديقهم كان في ورطة حقيقية.
كُومُنويلث الدومينيكا
بحلول صيف عام 2014 انتقل منفرد بشكل مؤقت إلى إسبانيا، ومع ذلك بقي آل بولار على علاقة وثيقة به، وفي شهر أغسطس / آب، توجهت العائلتان معاً لقضاء إجازة في بنما. وأثناء تلك الإجازة اقترح منفرد أن يقوم هو وبولار برحلة سريعة إلى كُومُنويلث الدومينيكا.
يقول بولار: "قبيل الهبوط في المطار، وبينما كنا لا نزال في الأجواء، حينها أخبرني علي بالسبب. فقد قدم طلباً ضمن برنامج يمكنه وكل أفراد عائلته من الحصول على الجنسية."
تقع جزيرة دومينيكا في البحر الكاريبي على تخوم جنوب أمريكا، وهي جزيرة بركانية قفرة، ترتفع قممها المنحدرة بشكل دراماتيكي من البحر، إلا أنها ونظراً لخلوها من الشواطئ الجميلة التي تنعم بها جاراتها، فإنها تجد صعوبة بالغة في جذب السياح إليها، ولذلك فهي من أفقر أقطار المنطقة، كما أنها أقلها نمواً وتطوراً.
قد تستغرق الرحلة من المطار إلى العاصمة روسو ما يقرب من تسعين دقيقة. أثناء الانطلاق عبر الطريق الضيق الذي يتلوى عبر الجبال قال بولار إنه أعجب بالهواء الاستوائي والمناظر الخلابة، إذ ذكره ذلك بموطنه. ولكن بينما كان هو مستمتعاً بالإجازة كان منفرد مستغرقاً في العمل، ويعد نفسه للقاء في الصباح التالي مع رئيس وحدة الجنسية والاستثمار في البلد.
كان هدف منفرد هو ضمان الحصول على جنسية لعائلته، وهو أمر قانوني تماماً وشائع جداً، ويكلف في العادة مبلغاً يتراوح ما بين مائتي ألف إلى ثلاثمائة ألف دولار أمريكي، وهذه الأموال إما أنها تدفع لتمويل مشاريع خاصة، مثل الفنادق، أو لتمويل مشاريع البنية التحتية، وتشكل بلا شك مصدراً ضخماً من العائدات للجزر الصغيرة في البحر الكاريبي.
أثناء الرحلة من المطار في سيارة الأجرة تحدث بولار مع السائق، ووجد نفسه كشخص يقطن هو الآخر جزيرة متفهماً للمشاكل التي تحدث عنها السائق مثل النقص الذي تعاني منه الجزيرة من حين لآخر في الغذاء والماء والكهرباء.
لم يتوان بولار عن مساعدة صديقه في الاستعداد للقاء اليوم التالي. وفي ذلك يقول: "قلت لعلي ... في لقائك ... ما سوف يسألونك عنه بسيط، سيقولون ما الفائدة التي سنجنيها من منحك الجنسية؟"
اقترح منفرد مصرف أوفشور، إلا أن بولار حثه على التركيز على الاحتياجات الأساسية في الجزيرة، وهو ما فعله.
أثناء اللقاء اقترح منفرد عدة أفكار للاستثمار، بما في ذلك الزراعة المائية ومشاريع الطاقة الحرارية الأرضية، وكل ذلك كان مصاحباً بوعد بإقامة علاقات تجارية وسياسية قوية مع الحكومة الماليزية.
واستذكر بولار أن "علي جاء إلى غرفتي في العاشرة والنصف صباح ذلك اليوم وصاح في أن استعد. فقلت لماذا؟ ماذا حدث؟ فقال: قلت لهم ما طلبت مني أن أقوله وقد طلبوا مني مزيداً من الشرح، ونظراً لأنني لا أملك ما أشرحه لهم فقد أخبرتهم بأن شريكي في العمل موجود، ولسوف يشرح لكم بنفسه."
كان بولار يسارع لتغيير ملابسه والتهيؤ للمغادرة عندما قال له منفرد إن اللقاء لم يعد مع الوزراء، وإنما سيكون مع رئيس وزراء دومينيكا بنفسه روزفيلت سكيريت.
قال بولار وهي يتذكر الحرج الذي سببه له ذلك: "ذهبت إلى الكاريبي بسروال قصير وقميص تي شيرت، ولذلك اضطررت لاستعارة قميص وبنطلون من الاستقبال في الفندق."
كانت لدى بولار صورة لثلاثتهم أثناء اللقاء في مكتب رئيس الوزراء، وكان واضحاً أن القميص الذي كان يرتديه لم يكن على قياسه.
لدى اقتراب الاجتماع من نهايته، تلقى بولار صدمته الثانية لذلك اليوم. قال بولار إن سكيريت تقدم بعرض ليس لمنفرد بل له هو، حين قال له: "لماذا لا تكون أنت سفيرنا المتجول؟"
قال بولار: "قلت له، لا أنا رجل أعمال ولست سياسياً."
إلا أن رئيس الوزراء سكيريت قال للجزيرة إنه لا يتذكر شيئاً عن ذلك اللقاء.
وبعد العودة إلى الفندق، كما يقول بولار، خطرت ببال منفرد فكرة، وقال: "أقنعهم أنني أهل لهذه المهمة."
طبقاً لبولار، في صباح اليوم التالي تناول هو ومنفرد طعام الإفطار مع رئيس وحدة الجنسية والاستثمار إيمانويل نانثان. حينذاك اقترح بولار تعيين منفرد في منصب السفير وبدا نانثان قانعاً بذلك طالما أنه سيجلب الاستثمارات التي تحتاجها الجزيرة بإلحاح. إلا أن القرار النهائي حول تلك المسألة يبقى بيد رئيس الوزراء.
تسارعت الأحداث بعد ذلك. كان منفرد قد عقد لقاءاته في دومينيكا يوم السادس والعشرين من أغسطس / آب 2014، وبعد أسبوع سجل ثلاث شركات هناك.
وفي الثالث من سبتمبر / أيلول حصلت عائلته على أوراق التجنيس وأصبح هو مواطناً في كُومُنويلث الدومينيكا.
بيتي للتجارة في دومينيكا
كان من أول الأشياء التي فعلها منفرد عندما عاد إلى ماليزيا في سبتمبر / أيلول 2014 إنشاء شركة جديدة شركاؤه فيها هم آل بولار.
كان الغرض من الشركة في الظاهر تسهيل التجارة والاستثمار بين ماليزيا ودومينيكا، أما في الواقع فكان الهدف هو حصول منفرد على جواز سفر دبلوماسي.
خلال شهر واحد كان مسؤولو الحكومة في دومينيكا يزورون ماليزيا، وكل نفقاتهم مدفوعة. كانت الأموال ترد من خزانة الشركة الجديدة واسمها "بيتي للتجارة في دومينيكا".
أطلعنا بولار على كتاب ضخم أخضر اللون فيها تفاصيل التاريخ القصير ولكن المرسم لشركة بلغت من سوء الصيت أنها ستصبح يوماً عنواناً لأنشودة احتجاج سياسي. كانت الصور المصقولة التي يحتويها الكتاب توثق لسلسلة من حفلات الاستقبال باهظة التكاليف التي نظمت لوفود الشخصيات البارزة من دومينيكا وهو يبتسمون ويتبادلون الأنخاب مع منفرد بينما هو منفرج الأسارير ويرتدي أبهى ما لديه من حلل.
لم يطل بمنفرد الزمن حتى اشترى عقاراً يصلح لممارسة دوره الجديد كسفير قادم. يقول آل بولار إن ثمن العقار دفع من قبل الشركة. فيما بعد، أصبح هذا العقار، الذي يقع على بحيرة في حي من أحياء كوالالمبور الراقية، سفارة منفرد.
بحلول منتصف أكتوبر / تشرين الأول من عام 2014 تلقى منفرد الطلب الرسمي للتقدم من أجل الحصول على جواز سفر دبلوماسي، وبعد فترة قصيرة بدأت تنهال عليه المطالبات بالدفع، وكان الشخص المكلف بالاتصال به هو نانثان.
كان بولار ومنفرد كلاهما قد فهما أن وضعه الدبلوماسي سيتطلب منه سداد بعض الدفعات المالية للدومينيكا، ولكن الدفعات المطلوبة سرعان ما تجاوزت توقعاته.
في التاسع والعشرين من أكتوبر / تشرين الأول 2014، وصلته رسالتان إلكترونيتان بفواتير للمساعدة في حملة الانتخابات القادمة لسكيريت. كانت إحداهما بقيمة 85 ألف دولار لطباعة البرنامج السياسي للحزب، وكانت الأخرى بقيمة 115 ألف دولار لدفع نفقات لوحات إعلانية وتكلفة شراء جهاز صوتي وألعاب نارية.
ولكنها لم تكن جميعها دفعات متعلقة بحملة الانتخابات. في نوفمبر / تشرين الثاني طلب نانثان دفعة أخرى بقيمة 200 ألف دولار.
كان بولار مسؤولاً عن ترتيب الدفعات، ويتذكر كيف أن هذه الدفعة بالذات تأخرت، ويقول: "كانت لدينا مشكلة في تحويل المال إلى حساب شركته، والتي كانت عبارة عن محطة وقود في دومينيكا. استغرقنا ذلك ما بين أربعة إلى خمسة أيام تقريباً."
طبقاً لرسائل إلكترونية تم تزويد الجزيرة بها تم إرسال دفعة بقيمة 200 ألف دولار إلى حساب محطة الوقود التي تملكها عائلة نانثان في بورتسموث، في أقصى الطرف الشمالي للدومينيكا.
انزعج نانثان عندما لم يصله المبلغ في الوقت المطلوب، فكتب في رسالة إلكترونية يقول: "مازلت أنتظر التعليمات الخاصة بالمسار، وقد تأخر ذلك كثيراً. لابد أن أقول بأن ذلك تنقصه الكفاءة التي أظهرها لي داتو علي ومنظمته. أشعر بخيبة أمل كبيرة."
وعن ذلك يتذكر بولار قائلاً: "كنا نتلقى رسائل إلكترونية ورسائل هاتفية، واتصالات هاتفية، واستمر، كما تعلم، في الإصرار قائلاً متى سنحصل على المال؟"
ثم صور كثيرة لنانثان داخل الكتاب الأخضر الكبير.
يقول بولار: "لا نستخدم كلمة رشوة ... ولكن بالتأكيد ... بدون مال، ما كان علي ليحصل على جواز سفره الدبلوماسي."
في مطلع شهر ديسمبر / كانون الأول، بعد خمسة شهور منذ اللقاءات الأولى في دومينيكا، تلقى منفرد ما كان يرجوه – خطاب موقع من رئيس الوزراء يمنحه فيه منصب السفير.
يثير التعيين تساؤلات، ليس فقط لأنه حصل مباشرة بعد الانتخابات التي ساعد فيها مالياً ولكن أيضاً بشأن التدقيق الإلزامي الذي من المفروض أن يكون قد قام به المسؤولون في دومينيكا، لأنه بحلول ذلك الوقت كان شريك منفرد في التجارة، زنجاني، قد ألقي القبض عليه وتم وضع مصرف الاستثمار الإسلامي الأول، الذي كان منفرد صاحب التوقيع المخول عليه، على قائمة العقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
بعث منفرد برسالة يعرب فيها عن "الشكر الجزيل وعميق التقدير" لسكيريت، ويتعهد له بأن يعمل "باستمرار على تطوير علاقات ثنائية وارتباطات دبلوماسية بين كومونويلث الدومينيكا وماليزيا."
تمثلت الخطوة التالية بالإعداد لأكبر حفلة على الإطلاق للترحيب برئيس الوزراء في ماليزيا. أراد سكيريت أن تدفع الشركة تكاليف سفره إلى ماليزيا ومن هناك إلى لقاءات في الصين على متن طائرة خاصة. فوافق منفرد.
في مارس / آذار من عام 2015، هبطت الطائرة التي تقل سكيريت في ماليزيا وكانت الرحلة مدفوعة التكاليف بالكامل. تم استقباله في المطار بسيارة رولس رويس، واشتمل حفل الاستقبال الذي نظم له على تقديم الشمبانيا، وتشكيلة من الأطعمة، وفرقة جاز موسيقية. وهناك سلم سكيريت منفرد جوازه الدبلوماسي.
السفير منفرد
قالت كيران: "بعد أن حصل على جواز سفره الدبلوماسي تغير سلوكه بشكل كامل."
وأوضح بولار: "لم أتمكن من مناداته باسم علي من بعد ذلك. كان يقول لي لا، عليك أن تقول لي يا صاحب السعادة."
كان منفرد قد صارح بولار بسبب حاجته إلى جواز السفر، وقال: "قال لي لدي الآن حصانة دبلوماسية ... لم أعد بحاجة للقلق بشأن الإيرانيين."
وذات ليلة في مكاتب مؤسسة بيتي للتجارة مع دومينيكا، أتيحت أمام منفرد فرصته الأولى لاختبار مدى قوة جواز سفره الدبلوماسي. فقد جاءت الشرطة للتحقيق في مزاعم بتعاطي المخدرات أثناء حفلة أقيمت في المكتب.
استذكر بولار كيف وقف يشاهد عربتين للشرطة فيهما ما يقرب من عشرين ضابطاً تتوقفان أمام المكتب في الخارج. بحسب ما يقوله بولار فقد اختبأ منفرد خلف أحد الأبواب، يلوح بجواز سفره الدبلوماسي ويقول: "لا يمكنكم إلقاء القبض علي، أنا دبلوماسي."
يقول بولار: "سألت الشرطة ما الذي حصل؟ هل وجدتم أي مخدرات؟ فقال عناصر الشرطة لا نستطيع دخول المكان فهو دبلوماسي ... هذا خارج صلاحياتنا."
يقول آل بولار إن جواز السفر، إضافة إلى منحه إحساساً جديداً بالمنعة، شجعه على ممارسة كل أنواع السلوكيات الجانحة.
كانت توجد خلف منزل منفرد بحيرة تقول كيران إنه أراد أن يقيم عندها محمية للطيور، وقالت إنه اشترى 1500 بطة وببغاوات ماكاو وطيوراً من أصناف أخرى.
وأضافت إن البط ظل يتجول في الحي، ولذلك لم تتوقف الشكاوى من الناس في الجوار.
انتهاء اللعبة
بحلول ديسمبر / كانون الأول من عام 2015 بدأت حظوظ منفرد بالنفاد.
فقد بدأت محاكمة زنجاني وأصدر الإيرانيون مذكرة توقيف بحق منفرد. ألقت السلطات الماليزية القبض عليه ولكن بفضل جواز سفره الدبلوماسي تمكن من الخروج من السجن.
يقول بولار عن ذلك: "أطلق سراحه شريطة ألا يغادر البلد وألا يغادر منزله."
قرر منفرد إنقاذ نفسه من خلال الغدر بصديقه. باع العقار – والذي يقول آل بولار إنه يعود إلى الشركة – وباستخدام جواز سفره الدبلوماسي هرب إلى دومينيكا، تاركاً ديونه لآل بولار.
تقول كيران: "كانت فترة مريعة." وتمضي قدماً في شرح كيف أدى ذلك إلى تدمير سمعة عائلتها ومحق مدخراتهم، وإلقاء القبض على زوجها لبعض الوقت.
في دومينيكا، سرعان ما تجاوز منفرد فترة الترحيب به بعد أن تراكمت الديون عليه بسبب حياة الرفاهية والبذخ التي كان يعيشها. وبعد ستة شهور غادر إلى جمهورية الدومينيكان حيث اختبأ في منتجع على ساحل البحر في بلدة اسمها بوكا تشيكا.
في ماليزيا، سمع آل بولار أن منفرد غادر دومينيكا، ولكن لم يكن أحد يعرف إلى أين غادرها. ثم ذات يوم لاحظ بولار أن محامي منفرد الماليزي كتب في حسابه على الفيسبوك أنه وصل إلى منتجع في جمهورية الدومينيكان.
يقول بولار: "أرسلت إلى سائق سيارة أجرة في بوكا تشيكا بعض المال، وقلت له هاك مائتي دولار، اذهب إلى ذلك المنتجع وابحث عن رجل إيراني اسمه محمد رضا منفرد."
أكد له سائق سيارة الأجرة وجود منفرد داخل المنتجع.
اتصل بولار بالسلطات الإيرانية، وبعد وقت قصير ألقي القبض على منفرد ونقل إلى إيران.
يقول بولار: "كانت تلك حلاوة بمرارة، ولكنها تمنح الإحساس بالعدالة."