حصري
رئيس جيش بنغلاديش وحكاية الانتقام
اتهمت عائلة سياسية في دكا قائد الجيش باستهدافهم لأنهم شهدوا ضد أشقائه في جريمة قتل.
4 فبراير 2021
يعيش حسن مهدي مونا الآن ويعمل في فندق من فئة خمس نجوم في ألمانيا، ولكنه يقضي جل وقته وهو يفكر في عائلته في بنغلاديش، والتي يقول إن أفرادها باتوا ضحايا نزاع مرير مع قائد الجيش في البلاد الجنرال عزيز أحمد وأشقائه.
بثت الجزيرة يوم الاثنين الفيلم الوثائقي "رجال رئيسة الوزراء"، وهو تحقيق يكشف عن فساد سياسي ومالي في قلب دولة بنغلاديش يشارك فيه قائد الجيش وأفراد عائلته.
بدأ النزاع بمقتل عم مهدي، مصطفيزور رحمان مصطفى، في أحد شوارع عاصمة بنغلاديش دكا في شهر مايو / أيار من عام 1996. أصيب رحمان بعدة طلقات ولكنه نجا لبرهة قصيرة، وتمكن من سرير موته في المستشفى أن يدلي بشهادة رسمية لقاضي التحقيق عرف فيها هوية الرجال الذين أطلقوا عليه النار. ثلاثة منهم، يوسف أحمد وحارس أحمد وأنيس أحمد، أشقاء كانوا يشكلون جزءاً من عصابة إجرامية تنشط في منطقة محمدبور التي وقع فيها إطلاق النار.
وقعت جريمة قتل مصطفى في فترة من الاضطراب السياسي في بنغلاديش التي كانت تدير شؤونها حكومة تصريف أعمال ما بين انتخابات عامة مختلف عليها وإعادة التصويت في شهر يونيو / حزيران. كان حزب رابطة عوامي، الذي قضى في المعارضة خمسة أعوام، يستعد للتصدي للحزب الوطني في بنغلاديش، الذي كان يعاني من مشاكل وأجبرت زعيمته خالدة ضياء على الاستقالة.
كان الأشقاء الثلاثة من عشيرة أحمد متحالفين مع رابطة عوامي، وكان حارس أحمد يعمل حارساً شخصياً لزعيمة الحزب الشيخة حسينة، التي يعتبر والدها الشيخ مجيب أب الأمة البنغالية وبطل الاستقلال فيها.
لم يزل من غير المؤكد لماذا استهدف مصطفى من قبل الأشقاء الثلاثة – ولكن قد يكون ذلك ناجماً عن الخصومة السياسية المريرة. أثناء المحاكمة، ادعى الأشقاء أن مصطفى كان عضواً في حزب الحرية، وهو حزب صغير يقوده أولئك الذين شاركوا في عام 1975 في اغتيال الشيخ مجيب. قبل جريمة القتل، ورد اسم مصطفى في قائمة من نشطاء حزب الحرية زعمت الشرطة حينها أنهم كانوا يسعون لمهاجمة منزل الشيخة حسينة في 1989.
إلا أن مهدي يقول إن عمه مصطفى لم يكن له علاقة بحزب الحرية وأنه قتل لأن عشيرة أحمد كانوا يحسدونه على نجاح عائلته السياسي.
يقول مهدي: "شقيق عمي مصطفى الذي قتل، حبيب الرحمن ميزان، كان قد انتخب مفوض جناح (عضو مجلس بلدي) عن رابطة عوامي في عام 1994 في المنطقة التي كان يعيش فيها الأشقاء من عشيرة أحمد."
ويضيف: "قتل الأشقاء الثلاثة عمي مصطفى لظنهم أنه بما أن ميزان قد انتخب عضواً في المجلس البلدي، فقد باتت عائلتنا تحظى بسلطة سياسية كبيرة. كان مصطفى مقرباً جداً من ميزان، ولذلك قتل الأشقاء من عشيرة أحمد مصطفى ليقطعوا بذلك ذراع ميزان الأيمن، إذا جاز التعبير."
ويقول أيضاً إن الاسم الذي ورد في قائمة حزب الحرية من بين الناس الذين كانوا يسعون لمهاجمة منزل الشيخة حسينة لم يكن اسم عمه هو.
أياً كان الدافع، أدين الأشقاء الثلاثة من عشيرة أحمد في عام 2004 بارتكاب جريمة القتل وذلك بناء على شهادة مصطفى وهو على فراش الموت وشهادة شخصين آخرين إضافة إلى الدليل الذي قدمه شقيق المغدور مفوض الجناح ميزان.
صدر بحق يوسف، الذي ألقي القبض عليه مباشرة بعد الجريمة، حكم بالإعدام. أما حارس الذي لم يقبض عليه وظل طليقاً مطارداً أثناء المحاكمة فحكم عليه بالسجن المؤبد، وهو نفس الحكم الذي صدر بحق أنيس الذي تمكن من الخروج بكفالة. ولكن في عام 2007، وبعد أن خسر الأشقاء الثلاثة الاستئناف، لاذ أنيس بالفرار تجنباً لتنفيذ الحكم الصادر بحقه.
صعود نجم عزيز
خلال تلك الفترة كان هناك شقيق آخر من عشيرة أحمد لم يكن ضالعاً في عالم الجريمة السفلي ولم يرتبط اسمه بجريمة قتل مصطفى. كان ذلك هو عزيز أحمد، ثاني أكبر الأشقاء سناً والذي انضم إلى جيش بنغلاديش في عام 1981، وكان يرتقي داخل مراتب الجيش ببطء. ولكن وضعه الوظيفي تحسن بسرعة بمجرد عودة حزب رابطة عوامي إلى السلطة في عام 2009 وتقلد شيخة حسينة لمنصب رئيسة الوزراء.
وفي ديسمبر / كانون الأول من عام 2012 عُين عزيز رئيساً لحرس الحدود في بنغلاديش، ومن منصبه ذاك، كما يعرض فيلم الجزيرة، ساعد شقيقه حارس على تزوير وثائق وإنشاء أعمال تجارية في المجر بهوية زائفة. ثم في عام 2018، بعد أن حصل شقيقه يوسف على عفو رئاسي عن جريمة قتل مصطفى وأطلق سراحه من السجن، عينت رئيسة الوزراء عزيز في منصب رئيس هيئة أركان الجيش في بنغلاديش.
وهكذا حظي عزيز بسلطة وافرة – بما في ذلك التحكم بكيان شبه عسكري مكلف بإنفاذ القانون يسمى كتيبة الفعل السريع. يقول مهدي إن عزيز استخدم هذه الكتيبة للانتقام من عائلته في بنغلاديش لأن الشهادة التي أدلى بها أفرادها هي التي أفضت إلى إدانة أشقائه بجريمة القتل.
يظهر حارس في وثائقي الجزيرة وهو يقول: "رجال عصابتي هم كتيبة الفعل السريع. لا أحتاج إلى بلطجية، فهؤلاء هم بلطجيتي. هم يلقون القبض على شخص ما ويعتقلونه."
"البراءة من الفساد"
بينما كان الأشقاء من عشيرة أحمد في السجن أو طريدي العدالة، غدت عائلة مهدي ذات تواجد قوي داخل حزب رابطة عوامي في محمدبور، وكان ميزان رحمان مفوض جناح موقر.
وكجزء مما يفترض أنه حملة ضد الفساد، اعتقلت كتيبة الفعل السريع في أكتوبر / تشرين الأول من عام 2019 عم مهدي، مفوض الجناح حبيب الرحمن بزعم ضلوعه في قطاع الكازينوهات غير القانوني، وادعت الكتيبة أنهم وجدوا شيكات بما يصل إلى ما قيمته 790 ألف دولار في منزله.
يقول مهدي عن ذلك: "لم يكن لإلقاء القبض عليه أي علاقة بالفساد. لم يكن عمي فاسداً، بل كان إلقاء القبض عليه مرتبطاً تماماً بالتحكم السياسي بمنطقة محمدبور وانتقاماً من الدليل الذي قدمه عمي بنفسه ضد الأشقاء في محاكمتهم على جريمة القتل. كما أن عمي كان لتوه قد رشح ليكون الأمين العام لحزب رابطة عوامي في دكا ولم يرغب عزيز في أن تتنامى سلطته أكثر وأكثر، ولذلك ألقي القبض عليه."
كما يدعي أن إلقاء القبض على ميزان وغيره من مفوضي الجناح في محمدبور في ذلك الوقت كان جزءاً من خطة عزيز للترتيب لانتخاب عاصف أحمد، ابن شقيق عزيز، ابن الشقيق الهارب من العدالة، أنيس. في الانتخابات التالية التي جرت في فبراير / شباط من عام 2020 تم فعلاً انتخاب عاصف أحمد مفوض جناح في محمدبور، في واحد من المقاعد التي غدت شاغرة بسبب الاعتقالات التي تمت في ذلك الوقت.
مازال ميزان في السجن. يقول مهدي إن عمه لم يسع إلى الخروج بكفالة لعلمه بأن عزيز سيمنع أي محكمة في بنغلاديش من منحه ذلك. ويقول: "وبعض الناس يقولون إن وجود عمي في السجن آمن له من الخروج منه. فطالما أن عزيز هو رئيس الجيش، فإن بنغلاديش ستبقى دولة مافيا." اتصلت وحدة تحقيقات الجزيرة مع الجنرال عزيز أحمد ومع أشقائه الثلاثة ودعتهم للرد على نتائج تحقيقها ولكن أياً منهم لم يتجاوب مع استفساراتنا.