حصري
قبرص باعت جوازات سفر لمجرمين وهاربين
كشف تسرب لوثائق حكومية أن قبرص باعت الجنسية لعشرات الأجانب على صلة بالجريمة والفساد.
23 أغسطس 2020
محتالون وغاسلو أموال وشخصيات سياسية متهمة بالفساد هم من بين عشرات الأشخاص من أكثر من سبعين بلداً اشتروا ما يسمى "جوازات سفر ذهبية" من قبرص، وذلك بحسب ما ورد في مجموعة ضخمة من الوثائق الرسمية التي حصلت عليها وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة.
أوراق قبرص عبارة عن تسريب لما يزيد عن 1400 طلب للحصول على جوازات سفر تمت الموافقة عليها من قبل حكومة هذه الدولة الواقعة في البحر المتوسط ما بين 2017 و 2019. تثير الأوراق أسئلة خطيرة حول برنامج الجنسية مقابل الاستثمار الذي ينفذه ذلك البلد.
سوف تكشف الجزيرة خلال الأيام القادمة عن هويات العشرات من الناس الذين حصلوا على الجنسية القبرصية، والذين بموجب القواعد المعمول بها في البلد نفسه، ما كان ينبغي في كثير من الحالات أن يحصلوا على جواز سفرها.
مجازفة أمنية
من أجل التقدم للحصول على جواز سفر قبرصي، ينبغي على المتقدم استثمار ما لا يقل عن 2.15 مليون يورو (2.6 مليون دولار) في الاقتصاد القبرصي، في العادة من خلال شراء عقار، كما ينبغي أن يكون سجله الجنائي نظيفاً.
إلا أن أصحاب الطلبات يقدمون أدلتهم الخاصة على ذلك، وعلى الرغم من أن قبرص تزعم أنها تتحقق من خلفيات المتقدمين بالطلبات، إلا أن الوثائق التي حصلت عليها الجزيرة تثبت أن ذلك لم يكن يحدث باستمرار.
يمكن الجواز القبرصي حامله من التنقل والعيش والعمل وإيداع الأموال في مختلف أرجاء الاتحاد الأوروبي، مما يجعل البرنامج مثيراً للجدل، مما حدا بأصوات من داخل الاتحاد الأوروبي لأن تدعو مراراً وتكراراً بإغلاق البرنامج.
في تصريح للجزيرة، قال عضو البرلمان الأوروبي عن ألمانيا سفين جيغولد، والمعروف بنقده الشديد للبرنامج: "إن له قيمة كبيرة لدى كل شخص يأتي من بلد موبوء بالأموال القذرة. تفتح حساباً بنكياً، وتقيم علاقة تجارية، فلا أسئلة تطرح، ولا تأشيرة تطلب، ويصبح العبور سهلاً إلى أي مكان ترغب في السفر إليه مقارنة بما لو كنت من روسيا أو الصين أو حتى من بعض البلدان المشبوهة أكثر منهما."
منذ عام 2013، عندما بدأ برنامج جوازات السفر، جنت الدولة أكثر من 7 مليار يورو (8 مليار دولار)، مما ساعدها على إبقاء اقتصاد البلد المتردي عائماً.
مسؤولو بوريسما وغازبروم
ما بين 2017 و 2019 كانت البلدان التي جاءت منها أعلى أرقام للطلبات هي روسيا والصين وأوكرانيا.
وكان من بين الطلبات التي تمت الموافقة عليها وشاهدتها الجزيرة طلب رجل الأعمال الأوكراني مايكولا زلوتشيفسكي، مالك شركة الطاقة العملاقة بوريسما.
عندما اشترى زلوتشيفسكي جواز سفره القبرصي في 2017، كان حينها رهن التحقيق بتهمة الفساد في موطنه الأصلي.
في يونيو / حزيران 2020، قال المحققون الأوكرانيون إنهم عرض عليهم مبلغ 6 ملايين دولار نقداً مقابل إسقاط التحقيق.
كلا زلوتشيفسكي وبوريسما ينفيان أي علم لهما بموضوع الرشوة.
مثله مثل الكثيرين ممن هم على قوائم المطلوبين في أوطانهم الأصلية، بإمكان زلوتشيفسكي، بفضل جواز سفره القبرصي، أن يعيش بعيداً عن متناول السلطات القضائية في أوكرانيا.
جاء طلب مشابه من المواطن الروسي نيكولاي غورنوفسكي، الرئيس السابق لعملاق الطاقة المملوك للدولة غازبروم.
حينما وافقت قبرص على منحه جواز السفر في 2019 كان اسم غورنوفسكي مدرجاً في قائمة المطلوبين في روسيا، ولقد تمكن حتى الآن من إحباط جميع المحاولات التي بذلت لتسليمه وإعادته إلى بلده.
تمت الموافقة على طلبات أخرى حتى بعد أن ألقي القبض على صاحب الطلب وفي بعض الأوقات حتى حينما كان يقضي عقوبة بالسجن.
اشترى المواطن الروسي علي بيغلوف جواز سفره على الرغم من أنه يقضي عقوبة بالسجن لإدانته بالابتزاز، الأمر الذي ما كان ينبغي أن يكون متاحاً بموجب القواعد المعمول بها في قبرص.
كما حصل رجل الأعمال الصيني جانغ كيقيانغ على جواز سفر قبرصي على الرغم من أنه كان قد قضى عقوبة بالسجن لإدانته بالاحتيال في صفقة أسهم.
وأما رجل الأعمال الفيتنامي فام نهات فو فقد صدرت الموافقة على جواز سفره بعد شهر من اتهامه بدفع ملايين الدولارات كرشاوى في صفقة للاتصالات الهاتفية.
وها هو الآن يقضي عقوبة بالسجن لثلاثة أعوام.
وبحسب ما تقوله لاورا بريلود، مسؤولة السياسة في الشفافية الدولية – وهي منظمة غير حكومية تركز على مكافحة الفساد، فإن تلك النتائج مقلقة وإن لم تكن مفاجئة.
وقالت في تصريح للجزيرة: "تنضوي مثل هذه البرامج على مخاطر الضلوع في غسيل الأموال والفساد والتهرب الضريبي. فقد صممت لجذب الأشخاص الذين يبحثون عن طريق سهل وسريع يعبرون من خلاله إلى الاتحاد الأوروبي."
قواعد صارمة
في مايو / أيار 2019، أدخلت قبرص قواعد أشد صرامة حول من يتأهلون للحصول على الجنسية. حظرت القواعد الجديدة شراء جوازات السفر على كل من هو رهن التحقيق أو من هو مطلوب أو مدان أو من هو خاضع للعقوبات الدولية.
وفي يوليو / تموز سن أعضاء البرلمان في قبرص قانوناً منح البلد صلاحيات انتزاع الجنسية، وذلك بعد عدة فضائح تتعلق بمستثمرين رديئي السمعة حصلوا على جوازات سفر ذهبية. إلا أن السياسيين صوتوا ضد أي إجراء يتضمن نشر أسماء الأشخاص الذين يشترون جنسية قبرصية.
ينطبق القانون الجديد الأشد صرامة على أي شخص يرتكب جريمة خطيرة أو يكون مطلوباً للبوليس الدولي (الإنتربول) أو يكون خاضعاً للعقوبات أثناء السنوات العشر التي تلي شراءهم لجواز سفرهم.
تعيد قبرص النظر في كافة الطلبات السابقة، ولقد أعلنت أن ثلاثين شخصاً لم تسمهم قد يفقدون الجنسية. إلا أن أوراق قبرص تكشف عن أن عدداً أكبر بكثير قد يطالهم القانون الجديد.
ومن ضمن هؤلاء المصرفي الفنزويلي السابق ليوناردو غونزاليس ديلان، الذي صدرت بحقه عقوبات من الولايات المتحدة لضلوعه في غسيل الملايين من الدولارات في صفقات عملة غير قانونية نيابة عن الحكومة الفنزويلية.
والشخص الآخر الذي قد يفقد جواز سفره هو أوليغ باخماتيوك المطلوب في أوكرانيا بتهمة الاختلاس وغسيل الأموال في قضية ذات علاقة بشركته الزراعية العملاقة، والذي وصف التهم الموجهة له بأنها "مجرد افتراءات دوافعها سياسية."
ورغم أن باخماتيوك أخبر الجزيرة أن الإجراءات ضده انتهت والتهم أسقطت، إلا أن المدعي الرسمي في البلد أكد أنه مازال على قائمة المطلوبين في أوكرانيا.
الاختلاس وغسيل الأموال
ومن الأمثلة الأخرى على حاملي جوازات السفر الذين يواجهون تهماً خطيرة الشقيقان الروسيان أليكسي وديمتري أنانييف، اللذان اشتريا الجنسية في عام 2017.
وهما متهمان في روسيا بالاختلاس من البنك الذي كان ذات يوم ملكاً لهما.
والشخص الآخر الذي حصل على جنسية قبرصية هو المواطن الصيني لي جيادونغ، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب غسيله لما يزيد عن مائة مليون دولار من العملات الرقمية والمرتبطة بهاكرز من كوريا الشمالية.
وأخيراً هناك مالك ثابت إبراهيمي وابنه مهدي، وكلاهما على قائمة الإنتربول للأشخاص المطلوبين جداً وذلك بتهمة غسيل الأموال والاحتيال في إيران، إضافة إلى أنهما يواجهان تهماً مشابهة في كندا.
ينفي مالك ثابت إبراهيمي التهم الموجهة ضده ويقول إنه كان طوال الوقت ملتزماً بالقوانين الإيرانية والقبرصية.
"على قبرص أن تخجل من نفسها"
رداً على أسئلة وجهتها لها الجزيرة، قالت عضو البرلمان القبرصي إليني مافرو: "إن الطريقة التي نفذ بها البرنامج خلال السنوات القليلة الأخيرة، من الواضح أنه كان إجراءً يسمح بحالات يجدر بجمهورية قبرص أن تخجل من نفسها بسببها."
وأضافت: "أعتقد أن النظم الجديدة لن تدع مجالاً للتلاعب أو لتجاوز الحدود التي ينبغي على الدولة احترامها."
وفي تصريح للجزيرة، قال وزير الداخلية نيكوس نوريس: "لم يحصل أن منحت الجنسية بشكل ينتهك النظم التي كان معمولاً بها آنذاك."