مقال طويل
أغاليغا، قاعدة سرية، وتكريس لقوة الهند
كيف يكشف إنشاء مدرج جوي ورصيف ميناء بحري في جزيرة نائية تابعة لموريشيوس عن صعود الهند التي تنوي استعراض عضلاتها بوصفها قوة إقليمية عظمى.
4 أغسطس 2021 | 33 دقيقة قراءة
مزرعة جوز الهند
شواطئ لؤلؤية بيضاء، وأشجار نخيل جوز الهند وبحر أزرق اللون على مد ما يمكن للعين أن تبصر كل ذلك يحلي جزيرتين اثنتين شكلهما أشبه بعلامة التعجب تفصل بينهما قناة عرضها مائتي متر (218 ياردة). الجزيرة الشمالية طويلة ونحيفة بينما الجزيرة الجنوبية قصيرة ومستديرة.
تشكل الجزيرتان معاً "أغاليغا"، ذلك الجزء من موريشيوس الذي يبعد أكثر من 1100 كلم (684 ميلاً) عن الجزيرة الرئيسية – رحلة تستغرق ما يقرب من يومين بالسفينة.
لا تتجاوز مساحة الجزيرتين خمسة وعشرين كليومتراً مربعاً (9.65 ميلاً مربعاً)، ولكن على الرغم من مساحتهما الصغيرة، إلا أنهما ربما لعبا دوراً مهماً في لعبة جيوسياسية بين القوى العظمى الصاعدة ونضالها في سبيل الهيمنة على المحيط الهندي.
على الرغم من جاذبيتها إلا أن الجزيرة ظلت غير مكتشفة من قبل السواح، مثلها مثل جزر أخرى كثيرة في المحيط الهندي. فلا توجد فيها فنادق فاخرة ولا استراحات مائية ولا دكاكين سياحية.
بدلاً من ذلك، يعيش على ظهر الجزيرة ما لا يزيد عن ثلاثمائة من سكانها حيث يزرعون جوز الهند ويصيدون الأسماك، كما هو ديدنهم منذ عقود.
تناط مهمة توفير احتياجات سكان الجزيرة بشركة مملوكة للدولة اسمها مؤسسة تطوير الجزر النائية، والتي توفر كل شيء من التموين العام إلى المياه ومن الكهرباء إلى الإنترنيت.
يتم إحضار المستلزمات – أي شيء من علف المواشي إلى الأغذية التي يبيعها المحل التجاري المحلي – كل ثلاثة شهور، ويتم إيصالها في كل مرة بواسطة نفس السفينة، وتدعى إم في تروتشيتيا.
قبل عام 2019 كانت البنية التحتية فيها بسيطة. لم يكن فيها رصيف كبير بما يكفي لكي ترسو عليه سفينة بحجم تروتشيتيا، فكان لابد من أن تُنزل مرساتها على بعد مسافة ما من الساحل ثم تأتي سفن صغيرة لتجلب التموين منها إلى الشاطئ.
يوجد في الجزيرة الشمالية مدرج صغير فقط – طوله حوالي 800 متر (نصف ميل) – يكفي فقط لهبوط الطائرات الصغيرة ذات المراوح، والتي يستخدمها حرس السواحل في موريشيوس، ولكنه أقصر من أن يكفي لهبوط طائرات الشحن.
منذ سنين ندر أن شهدت أغاليغا رسو سفينة بالقرب من سواحلها. إلا أن كل ذلك تغير في أواخر عام 2019 عندما ظهرت سفن شحن ضخمة قريباً من طرف الجزيرة الشمالية.
وكانت تبقى هناك، في بعض الأوقات لشهور، وهي تفرغ حمولتها.
مشروع البناء
في السادس والعشرين من إبريل / نيسان 2020 أبحرت سفينة الشحن الكبيرة غلوسيم من ميناء فيزاخاباتنام شرقي الهند. توجهت السفينة، التي كانت ترفع علم بنما ولكن تشغلها شركة هندية اسمها سالس للشحن البحري، نحو جنوب الغرب باتجاه سريلانكا.
وصلت سفينة غلوسيم إلى ميناء عاصمة موريشيوس بورت لويس بعد شهر تقريباً. بقيت هناك مدة شهر تقريباً قبل أن تبحر من جديد نحو وجهتها التالية: المياه الساحلية لجزيرة أغاليغا.
بقيت سفينة غلوسيم قريباً من أغاليغا لمدة ثلاثة شهور ثم توجهت إلى سيشيلز، والتي هي أقرب إلى موريشيوس، لمدة أربع وعشرين ساعة – غالباً من أجل التزود بالوقيد – قبل أن تعود أدراجها. وهذه المرة، بقيت أكثر من مائتي يوم، من أواخر سبتمبر / أيلول 2020 وحتى إبريل / نيسان 2021.
مواعيد توقف سفينة غلوسيم في الموانئ في الفترة من إبريل / نيسان 2020 وعام 2021
كانت سفينة غلوسيم تشارك في مشروع إنشاءات طموح، ولم تكن السفينة الوحيدة التي تقوم بذلك خلال العامين الأخيرين.
ما بين مطلع عام 2019 ومطلع عام 2021، تعقبت وحدة تحقيقات الجزيرة أكثر من اثني عشرة سفينة أبحرت من موانئ هندية إلى أغاليغا، وكانت تلك السفن جزءاً من مشروع يخشى سكان الجزيرة من أنه سيكون شؤماً على مستقبلهم.
فقد أصبحت الجزيرة الشمالية مقرآً يقيم فيه المئات من عمال الإنشاءات الذين جيء بهم من الهند. يقوم العمال بقطع الأشجار وتمهيد الأرض وبناء مساكن شبه دائمة، بما في ذلك المرافق الطبية، التي يقول سكان الجزيرة إنها أفضل بكثير مما هو متوفر لهم.
في وقت مبكر من عام 2019، بدأ العمال في تعبيد مدرج جوي يزيد طوله عن ثلاثة كيلومترات (1.8 ميلاً)، أي حوالي أربعة أضعاف طول المدرج الذي حظيت به الجزيرة من قبل.
تم منح عطاء مشروع التوسيع لشركة إنشاءات هندية اسمها أفكونز متخصصة في إنشاء المدرجات الجوية ومشاريع البنى التحتية الكبرى الأخرى مثل خطوط السكك الحديدية.
ذكرت شركة أفكونز في تقريرها المالي للفترة من 2018 إلى 2019 ذلك العطاء الذي حصلت عليه من وزارة الشؤون الخارجية الهندية وتبلغ قيمته تقريباً 250 مليون دولار أمريكي.
بعد ثمانية عشر شهراً من البناء، غدا لجزيرة أغاليغا الصغيرة مدرج جوي ورصيف بحري يقول الخبراء إنهما سيستخدمان من قبل الهند قاعدة للعمليات العسكرية كجزء من توسيعها لنفوذها الجيوسياسي في المحيط الهندي.
لعبة شطرنج جيوسياسية
على مدى العقدين الماضيين عدد أكبر من البلدان بدأت تضع أعينها على المحيط الهندي كنقطة جيوسياسية ساخنة، فهذه المنطقة التي تمتد من أفريقيا في الغرب إلى الشرق الأوسط والهند وباكستان وبنغلاديش في الشمال إلى إندونيسيا وأستراليا في الشرق، تمر عبرها بعض أهم خطوط الشحن البحري في العالم.
في تصريح للجزيرة، قال آديتيا دايف: "أكثر من ستين بالمائة من تجارة النفط العالمية تمر عبر المنطقة، حيث تأتي في الأغلب من مضيق هرمز. وفوق ذلك، مضائق مالاكا وقناة السويس كلاهما يربطان المحيط الهندي بالمحيط الهادي وبالبحر المتوسط على الترتيب. إلا أن ذلك لا يحظى بالاهتمام الكافي في الخطاب الجيوسياسي."
يعمل دايف محلل بحث في معهد الخدمات الملكية المتحدة (روسي) في لندن حيث يركز على الأمن البحري في حوض الهندي الهادي وقضايا الأمن المتعلقة بالمنطقة.
ويضيف: "إن حرية الملاحة في المنطقة مهمة لعدد من مختلف البلدان لأمن طاقتها وكذلك لرخائها الاقتصادي."
ويبين دايف أنه على مدى ما يزيد عن خمسين عاماً، كانت المنطقة خاضعة لهيمنة الهند وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا. ويضيف قائلاً: "ما لبثت الهند لزمن طويل هي اللاعب الأبرز، وخاصة في جوارها. البلدان الأخرى النشطة في المنطقة هي فرنسا، التي لها أراضي في المنطقة من خلال جزيرة ريونيون، وكذلك الولايات المتحدة، التي لديها قاعدة عسكرية في دييغو غارسيا."
من الناحية الرسمية، تعتبر قاعدة دييغو غارسيا، والتي هي مرفق عسكري مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا، جزءاً من أرخبيل شاغوس، والذي يشار إليه أيضاً بعبارة الأراضي البريطانية في المحيط الهندي.
دييغو غارسيا هي الجزيرة الأكبر من بين 58 جزيرة صغيرة تديرها جميعاً بريطانيا.
ولكن، خلال الأعوام الأخيرة، برز لاعبون آخرون يبحثون عن دور لهم، ومن أبرزهم أستراليا واليابان والصين. يوضح ذلك دايف قائلاً: "بينما تزداد الصين أهمية كقطاع اقتصادي وأمني، فمن الطبيعي أن تدخل إلى المحيط الهندي، الذي يعتبر قناة مهمة لتجارة الصين حيث أن جزءاً ضخماً من مستورداتها يمر عبر المحيط الهندي وعبر مضائق مالاكا.
توسع الصين
على مدى العقدين الماضيين، استثمرت الصين بكثافة في بلدان في آسيا وأوروبا وأفريقيا، من خلال مبادرة الطريق والحزام الخاصة بها في محاولة لزيادة نفوذها الجيوسياسي.
وتقوم بشيء مشابه في المحيط الهندي لما فعلته فيما يسمى "سلك اللؤلؤ"، الذي شهد استثمار الصين في البنى التحتية البحرية في كل من المالديف وسريلانكا وتنزانيا وعدد آخر من البلدان.
معظم تلك المشاريع مازالت في مهدها، إلا أن الصين افتتحت أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في عام 2017 في جيبوتي.
في مقابلة مع الجزيرة، قال غريغ بولينغ، الزميل المخضرم المتخصص في جنوب شرق آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، إن خطط الصين في المحيط الهندي أجبرت الهند على تركيز اهتمامها من جديد.
وقال بولينغ: "إن صعود الصين، وحقيقة الضغط على جبهتين، لديك الحدود البرية في جبال الهيمالايا، حيث شهدنا الصدام المميت في وادي غلوان في العام الماضي، وبروز الصين كلاعب بحري في المحيط الهندي، غدا ذلك هو مصدر القلق الاستراتيجي لدلهي."
وقال: "بالطبع، خبراء الأمن القومي الهندي، مازالوا قلقين بشأن الباكستان ولربما سيظلون كذلك باستمرار، ولكن أظن أن الصين، وبشكل متزايد، هي التي تؤرق الاستراتيجيين الهنود وتحرمهم النوم."
ويضيف: "مازالت الهند لاعباً رئيسياً، ولكنها تدرك أن بروز هذه القوة العظمى الجديدة الصاعدة لتعلب فيما ما لبث يعتبر الحديقة الخلفية للهند يمكن أن يعتبر أخباراً سيئة بالنسبة لمصالح الهند القومية."
الرد الهندي
نتيجة لذلك، تسعى الهند إلى تحسين وضعها إزاء بلدان ما لبثت منذ وقت طويل على علاقات طيبة معها.
في إشارة إلى مشروع جمع المعلومات الاستخباراتية والبيانات، والذي يهدف رسمياً إلى تعزيز الأمن في المحيط الهندي، يقول بولينغ شارحاً: "تقيم الهند هوائيات رادار مجاناً من حيث المبدأ في أماكن مثل بنغلاديش والمالديف وسيشيلز وسريلانكا. وتحاول أن تجلب الجميع إلى مركز الاندماج البحري الجديد الذي أنشأته دلهي. وهي بذلك تحاول بشكل أو بآخر تكريس فكرة أن الهند هي من يوفر ما يتطلبه الصالح العام في المحيط الهندي."
والأهم من ذلك أن الهند غدت جزءاً من منظمة تعاونية رخوة تسمى كواد، تتضمن الولايات المتحدة وأستراليا واليابان وتنسق بشأن مسائل مثل الأمن البحري والاستجابة في حالة الكوارث.
في تصريحه للجزيرة، قال دايف الذي يعمل في معهد "روسي" إنه على الرغم من أن البعض ينظر إلى كواد باعتبارها ناتو آسيوي تشكل رداً على تحركات الصين في المحيط الهندي، إلا أنها كيان غير رسمي.
ومضى يقول "إنها ليست تحالفاً أمنياً صلباً"، مضيفاً أن كواد حتى الآن لا يوجد بها أمانة (سكرتارية)، على سبيل المثال.
ويقول: "لا يوجد ميثاق رسمي أو أي شيء من هذا القبيل. ومازال يكتنفها الغموض."
والأهم من ذلك أن الهند بدأت تستمر أكثر في البلدان الصغيرة في المحيط الهندي. وفي بعض الحالات، كانت هناك استثمارات أجنبية أساسية مثل توسيع الموانئ، وإن كانت الاستثمارات في بعضها الآخر أكثر ارتباطاً، وبشكل مباشر، بتطلعات الهند الجيوسياسية.
ومثال على ذلك كان استثمار الهند الكثيف في نظام رادار ساحلي إقليمي له محطات في سيشيلز والمالديف وبنغلاديش وسريلانكا وموريشيوس.
يقول دايف: "من وجهة نظر الهند، هناك شراكات بالغة الأهمية، فالهند لديها علاقات دفاعية وأمنية قديمة مع جميع هذه البلدان."
ومضى يقول: "ترى الهند نفسها مقدمة خدمات أمنية في منطقة المحيط الهندي."
بطبيعة الحال تستفيد أيضاً هذه الدول التي تستضيف الرادارات، حيث بإمكانها أن تبقي عيونها مفتوحة على القرصنة وصيد السمك غير المشروع وعمليات التهريب التي قد تتم في مياهها.
ومن باب تقديم نفسها كمقدم خدمات أمنية لكل منطقة المحيط الهندي، ظلت الهند تبحث منذ سنوات عن موقع تقيم فيه قاعدة عسكرية لها، ولم تتوج بالنجاح خطة لإقامة قاعدة في سيشيلز بعد أن حالت المعارضة السياسية في البلاد دون ذلك.
ولكن لحسن الحظ بالنسبة للهند كان بإمكانها التطلع إلى موريشيوس وجزيرتها النائية وشبه الخالية، جزيرة أغاليغا.
’بقعة مثالية لقاعدة عسكرية‘
كان الموقع الاستراتيجية لجزيرة أغاليغا في المحيط الهندي وأهليتها لأن تكون موقعاً عسكرياً متقدماً موضع نقاش على مدى عقود.
ففي عام 1975، تحدثت برقيتان واردتان من بريطانيا عن اهتمام سوفياتي محتمل بشراء الجزيرة لإقامة قاعدة فيها. رغم أن هذه البرقيات، والتي سربتها مجموعة ويكيليكس، أقرت بعدم وجود دليل قاطع على أي خطة لدى الاتحاد السوفياتي لشراء جزيرة أغاليغا، إلا أنه يتبين منها أن الجزيرة طالما اعتبرت موقعاً محتملاً لقاعدة عسكرية.
بعد ما يزيد عن ثلاثين عاماً، في عام 2006، كتبت وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) مذكرة داخلية حول الاهتمام الهندي بجزيرة أغاليغا. فحينذاك كانت الهند قد تطورت لتصبح قوة عظمى ناشئة، وكانت، بحسب ما قالت وكالة المخابرات الأمريكية، الآمر الناهي تقريباً في موريشيوس.
جاء في البرقية: "بدا كما لو أن الجمهور في موريشيوس قد تقبل فكرة أن بإمكان الهند أن تحصل على ما تريد طالما أن الجزر تبقى تابعة لموريشيوس، وهذا مؤشر على خضوع موريشيوس طواعية للهند التي تعتبر أهم شركائها الأجانب."
ومضت البرقية تقول إنه على الرغم من أن المسؤولين في موريشيوس نفوا أي خطط للتنازل عن الجزر للهند، إلا أن المسؤولين في موريشيوس استخدموا كلمات في غاية الحذر، وبشكل غير معتاد "الأمر الذي قد يشير إلى أنه يوجد في تلك التقارير أكثر مما أقرت به الحكومة."
وطبقاً لما يقوله صموئيل باشفيلد، مسؤول البحث في الجامعة الوطنية الأسترالية الذي يركز على المسائل الجيوسياسية في المحيط الهندي، ليس مفاجئاً أن تقوم الهند الآن بتطوير أغاليغا لتصبح قاعدة عسكرية.
ويقول باشفيلد في مقابلة مع الجزيرة: "إنها جزيرة صغيرة جداً، ولكن موقعها بالغ الأهمية."
وفي إشارة إلى قرب الجزيرة من قناة موزامبيق والتي تشهد ملاحة دولية كثيفة، يقول باشفيلد: "جنوب غرب المحيط الهندي منطقة من المهم بالنسبة للهند وجود أماكن فيها يتسنى لطائراتها منها تقديم الدعم لسفنها، وكذلك حيث يمكن أن تتوفر لها أماكن تستخدم كمنصات انطلاق لعملياتها. فجغرافياً توجد الجزيرة في بقعة خيالية، كونها في وسط المحيط ولكن أيضاً على ذلك الجانب الجنوبي الغربي."
ويضيف: "كإضافة للنقاط الأخرى التي بإمكان الهند أن تعمل منها، فإنها بالغة الأهمية."
بعد تلك البرقية للمخابرات الأمريكية في عام 2006، نمت العلاقة بين الهند وموريشيوس وغدت وثيقة جداً. يذكر أن موريشيوس، التي ينحدر معظم سكانها من أصول هندية، أصبحت أكثر اعتماداً على الهند في مجال الاستثمارات والدعم المالي، وتوج ذلك في عام 2015 بتوقيع مذكرة تفاهم كانت جزيرة أغاليغا واحدة من أهم النقاط فيها.
وافق البلدان على "إقامة وتطوير البنى التحتية لتحسين التواصل البحري والجوي في الجزيرة الخارجية من جزر موريشيوس، مما سيكون له بالغ الأثر في تحسين ظروف المعيشة للناس في تلك الجزيرة النائية.
وجاء في المذكرة أيضاً: "سوف تعزز هذه المرافق من قدرات قوات الدفاع في موريشيوس وتحمي مصالحها في الجزيرة الخارجية."
وفيما يبدو أنها ضربة حظ، كان مشروعا المدرج الجوي والرصيف البحري هما ما فشلت الهند وسيشيلز في الاتفاق عليه في نفس ذلك العام.
المدرج الجوي
حتى الآن، ما لبث المدرج الجوي في أغاليغا يستخدم بشكل أساسي من قبل حرس السواحل في موريشيوس، الذي يملك ثلاث طائرات مراوح لديها القدرة على الهبوط على المدرج الصغير.
أما الآن، فيعادل طول المدرج الجوي الجديد الذي أنشأته الهند نفس طول المدرج الجوي في جزيرة موريشيوس الرئيسية، والذي يخدم ما يقرب من أربعة ملايين مسافر كل عام.
نظرياً، بالإمكان وضع جميع سكان أغاليغا في طائرة واحدة من طراز إيرباص A380 – أكبر طائرة ركاب في العالم – والإقلاع بهم من المدرج الجديد في الجزيرة.
يقول باشفيلد شارحاً ذلك: "سيكون أسهل بكثير الحصول على المواد التموينية، وأسهل بكثير السفر بين موريشيوس وأغاليغا باستخدام هذه المرافق الجديدة، ولكن من المؤكد أن ذلك ليس هو الهدف من المشروع. وإنما الغاية منه ... هي السماح للجيش الهندي، وكذلك حرس السواحل التابع لموريشيوس، بالقدرة على الوصول إلى المنطقة والانطلاق منها لأداء المهمات."
لا توجد وثائق حكومية عامة سواء من موريشيوس أو من الهند تنص على أن الجزيرة سوف تستخدم من قبل الجيش الهندي أو فيما لو حصل فعلى أي أساس.
ورد المؤشر الوحيد على أن الهند سوف تستخدم الجزيرة لعملياتها في 2018، عندما أكد رئيس وزراء موريشيوس برافند جوغناوث في تصريح لصحيفة ذي فاينانشال تايمز إنه "سوف يسمح للهند باستخدام المرافق في أغاليغا شريطة الإشعار المسبق من قبل السلطات المعنية في موريشيوس."
في مايو / أيار من هذا العام، سئل جوغناوث حول الإنشاءات الجارية أثناء جلسة للبرلمان، فنفى وجود اتفاق مع الهند على بناء قاعدة عسكرية في أغاليغا.
إلا أن أبهشيك ميشرا، الباحث في مركز أبحاث مقره نيودلهي اسمه مؤسسة أوبزيرفر للأبحاث، والذي يتحدث بشكل منتظم مع الناس في البحرية والحكومة الهندية، يقول إنه بغض النظر عن النفي العلني فإن خطط الهند في أغاليغا جلية.
وقال ميشرا في تصريح للجزيرة: "عندما تتفاعل مع عاملين سابقين في سلاح البحرية ومع مسؤولين حاليين يخدمون في الوزارة، فعندها تتشكل لديك فكرة عن الوجهة التي يمضي إليها ذلك."
وأضاف: "إنه مقر استخباراتي للهند لدعم التواجد البري والبحري من أجل زيادة الرقابة والاستطلاع في منطقة جنوب غرب المحيط الهندي بشكل عام وفي قناة موزامبيق. سيكون لهذا المقر دور حيوي في توسيع مساحة البصمة الهندية في المنطقة، وسوف يوفر موقعاً مفيداً للاتصال وجمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية. ولسوف تستخدم القاعدة لإرساء سفننا بينما يستخدم المدرج بشكل أساسي لهبوط وإقلاع طائراتنا من طراز P-81."
اشترت الهند في عام 2009 ثمان طائرات استطلاع من طراز بوزيدون P-81 من الولايات المتحدة، وهي نسخ عسكرية من طائرات بوينغ 737 تستخدم في الاستطلاع طويل المدى وفي استهداف الغواصات وفي المهام الحربية جو أرض.
منذ ذلك الحين، خططت الهند لشراء عشر طائرات أخرى، وفي العام الماضي استخدمت واحدة منها في مهمة دورية مشتركة مع البحرية الفرنسية فوق المحيط الهندي.
وفي منتصف شهر يوليو / تموز من هذه السنة، تلقت الهند طائرتها العاشرة من طراز P-81 بينما هي مستمرة في توسيع قدراتها الاستطلاعية البحرية.
من شأن امتلاك قاعدة لجمع المعلومات الاستخباراتية في جنوب غرب المحيط الهندي أن يزيد من قدرات الهند بشكل مضطرد كما يبين ميشرا، الذي يضيف قائلاً:
"لو كان لدينا (في الهند) مقر للمهام اللوجستية والاتصالات في مثل هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي الهام، فهذا من شأنه ليس فقط مساعدتنا في تشكيل صورة كلية عن الوضع الأمني البحري في المنطقة، وإنما سيساعدنا أيضاً في تتبع التطورات الجارية في قناة موزامبيق أو في رأس الرجاء الصالح."
الصلة بشاغوس
تلك السرية التي تعاملت بها الحكومتان في موريشيوس وفي الهند مع إنشاء المرفق العسكري في أغاليغا أثارت الدهشة والاستغراب في موريشيوس، حيث أن الوثيقة الرسمية الوحيدة المعلنة عن المشروع هي مذكرة التفاهم التي أبرمت بين موريشيوس والهند في عام 2015.
نجم عن ذلك خوف لدى سكان أغاليغا من أنهم قد يصبحون ضحايا لعبة شطرنج جيوسية ويجبرون أخيراً على إخلاء الجزيرة.
ويشيرون إلى ما يزعمون أنه مساعي من قبل حكومة موريشيوس لكي يكون العيش في الجزيرة أشد صعوبة. فعلى سبيل المثال، يقول السكان إنهم يمنعون من جلب الإسمنت إلى الجزيرة ويحظر عليهم جلب مواد بناء خاصة بهم.
ومن الأمثلة الأخرى أيضاً زعمهم التعرض لتقليص سرعة الإنترنيت، وإجبار طلبة الثانوية على تلقي الاختبارات في الجزيرة الرئيسية، وعدم وجود مرافق طبية كافية للنساء الحوامل في أغاليغا بما ضمن إجراء عمليات ولادة آمنة.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2020، فرضت الحكومة ضمانة بنكية بمبلغ 5400 دولار على من يسافر إلى أغاليغا بزعم أن ذلك يغطي أي احتياجات طبية طارئة قد تنجم. ثم ما لبثت الخطة أن جمدت بعد احتجاجات نظمها الناس الذين يرغبون في زيارة عائلاتهم في الجزيرة ولكن يحول دون ذلك عدم توفر الرسوم المطلوب دفعها.
تسبب انعدام الشفافية لدى الحكومتين في موريشيوس والهند في إثارة المخاوف لدى سكان الجزيرة. ولقد تجنب المسؤولون في حكومة موريشيوس مراراً الإجابة على أسئلة أثارها أعضاء في المعارضة وكذلك سكان أغاليغا حول المشروع، مما زاد من الشكوك حول نوايا الحكومة.
ومن المخاوف الأخرى حقيقة أن حكومة موريشيوس أخفقت في إجراء تقييم للأثر المترتب على البيئة، مما أثار المزيد من التساؤلات حول الغاية من إنشاء البنية التحتية.
وعندما طرحت الجزيرة سؤالاً حول التقييم، نفت حكومة موريشيوس إنها لا تحتاج إلى عمل تقييم لهذا المشروع، على الرغم من أن موقع الحكومة على الإنترنيت ينص على وجوب إجراء مثل هذا التقييم لدى إنشاء أرصفة موانئ أو مدرجات جوية.
كل ذلك جعل سكان أغاليغا يلمسون تطابقاً بين وضعهم وما جرى في جزيرة أخرى تابعة لموريشيوس – جزيرة شاغوس.
في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، حولت بريطانيا، الحاكم الاستعماري السابق لموريشيوس، قسماً من شاغوس إلى قاعدة عسكرية، دييغو غارسيا، وأجرتها للولايات المتحدة ضمن صفقة سرية.
مازالت تلك القاعدة موجودة ولم تزل جزءاً من نزاع مستمر منذ القدم بين بريطانيا وموريشيوس. في وقت مبكر من هذا العام، قررت محكمة بحرية بريطانية أن بريطانيا لا تملك السيادة على الجزر، ولكن بريطانيا قالت إنها لن تعيدها إلا حينما تنتفي الحاجة إليها لتوفير خدمات دفاعية.
عندما تحولت شاغوس إلى قاعدة عسكرية، طرد الناس الذين كانوا يعيشون هناك منها قسراً، وهو المصير الذي بات سكان أغاليغا يخشون من أن ينالهم أيضاً.
في تصريح للجزيرة، يقول أرنود بولاي، الذي يعيش في أغاليغا: "مضت ثلاثة أعوام منذ أن بدأ إنشاء المطار والرصيف في أغاليغا، منذ 2018، ومنذ ذلك الحين تغير كل شيء."
وقال أيضاً: "نحتاج إلى ميناء لأن الوضع كان خطيراً، الطريقة التي كنا نمارس بها العمل، باستخدام قوارب صغيرة تذهب وتجيء، للنزول من السفن أو لاعتلائها، وكان ذلك في غاية الخطورة."
وأضاف: "ولكن لا يتم اليوم تدريب أي من سكان أغاليغا للعمل في الميناء الجديد. إذن من الواضح أن العمال الهنود هم من سيتم توظيفهم. أما أولادنا، شبابنا، فهم عاطلون عن العمل، ولا يتم تدريبهم. ولم لا؟ لو تم ذلك لكان أفضل ... لأن ما يقومون به ليس تنمية وإنما تدمير."
وفي تصريح للجزيرة قال شقيقه، فرانكو بولاي، إن سكان أغاليغا ما فتئوا يطالبون منذ سنين بإنشاء مستشفى، وأن إنشاء مدرج جديد شيء مرحب به للتعامل مع الطوارئ الطبية. نعم، طالبنا بمطار يكفي للتعامل مع الحالات الطارئة، لإنقاذ حياة الناس، ولكن عندما نرى هذا المطار فإننا يساورنا القلق."
كما وصف فرانكو عناصر الجيش الهندي وهم يتجولون في أنحاء أغاليغا، وقال:
"اثنان من ضباط الجيش يجيئان ويروحان، إنهما من يشرف على أعمال البناء. وهما حريصان على إثبات أنهما في موقع المسؤولية وأنهما هم من يدير شؤون الجزيرة، عنهما تصدر الأوامر والقرارات بشأن السفن التي تصل والأعمال التي يجري تنفيذها من قبل عمال أفكون."
وأضاف: "يظهرون لنا .... أن الجيش هو من سيتحكم بمقاليد الأمور في الجزيرة."
تمكنت وحدة تحقيقات الجزيرة من التحقق فقط من أن مسؤولين من سلطات موريشيوس قاموا بزيارة الجزيرة.
السرية
تنتاب الخبراء شكوك بشأن إمكانية أن يجبر سكان الجزيرة على إخلائها قسراً.
يقول آديتيا دايف من معهد روسي: "فيما يتعلق بقضية جزر شاغوس، وقفت الهند إلى جانب موريشيوس، ولذا فمن غير المحتمل نسبياً أن تبادر الهند إلى القيام بعملية مشابهة في أغاليغا."
وعبر عن نفس الفكرة صموئيل باشفيلد الذي قال إن من الشائع جداً أن تسمح البلدان لجيوش أجنبية باستخدام أراضيها. وذلك لا يعني أنهم يسلمون الجزيرة أو أنهم يتخلون عن السيادة. ما يعنيه ذلك هو أن لديهم اتفاقاً يسمحون بموجبه للجيش الهندي بالمجيء وبإنشاء مرافق واستخدام تلك المرافق في المستقبل."
وثمة أدلة تشير إلى أن موريشيوس لا تنوي إزاحة سكان الجزيرة، ففي مايو / أيار من عام 2020، وبعد أن بدأت أعمال إنشاء المدرج، نشرت حكومة موريشيوس عدة عطاءات لتوسيع البنى التحتية في أغاليغا، وتشمل: مخزن للمواد والمستلزمات الطبية، مساكن، محطة توصيل الأسماك والعديد من المرافق الأخرى التي من الواضح أنها للاستخدامات المدنية.
ولكن على الرغم من توسعة المرافق المخطط لها في الجزيرة، لم تفصح لا موريشيوس ولا الهند بالضبط عن الدور الذي ستقوم به في المستقبل داخل الجزيرة القوة العسكرية – سواء كانت حرس السواحل التابع لموريشيوس أو البحرية الهندية.
وبحسب ما يقوله ميشرا، هناك سببان أساسيان لامتناع أي من البلدين عن الإفصاح عما سيحدث للجزيرة.
أما الأول فهو البصريات: "فمن وجهة النظر الهندية، لا ينبغي أن يرانا الآخرون كجهة تدعم عسكرة منطقتنا. لا نريد أن نرى كجهة لا تحترم الشفافية أو لا تحترم السيادة."
وأما الثاني، فهو ببساطة ذو علاقة بما تفعله الحكومات باستمرار عندما يتعلق الأمر بعملياتها العسكرية، ألا وهو إبقاء الخصوم في الظلام.
"مسائل السيادة وكل ما إلى ذلك هو السبب الرئيسي الذي لا يحول بيننا وبين تسمية ذلك صراحة قاعدة عسكرية أو مرفقاً عسكرياً. كل هذه المصطلحات، وأنا أعلم أن الأمر معقد قليلاً، ولكن كل هذه مسائل تتعلق بالأمن القومي."
بالنسبة للناس في أغاليغا، إنها السرية، من قبل الهند ولكن الأهم من ذلك من قبل حكومة موريشيوس، التي تجعلهم يتشككون في تعهدات الحكومة في موريشيوس لهم بأنه ليس هناك ما يجعلهم يقلقون.
يشعرون بأن ما يرونه في الجزيرة كل يوم لا ينسجم مع ما تقوله الحكومة، أي أنه لا يوجد هناك ما يدعو للقلق.
تركهم في الظلام منذ بدء تنفيذ المشروع جعلهم يشعرون كما لو أنهم ليسوا مشمولين في عملية اتخاذ القرارات حول ما الذي يحدث للجزيرة التي يعتبرونها وطنهم.
ولكن وكما صرح فرانكو بولاي للجزيرة لا ينوي سكانها مغادرتها.
قال بولاي: "لا ينبغي عليهم الظن بأننا سوف نقبل بأن نصبح مثل دييغو غارسيا، لن نقبل بذلك أبداً. سوف نقاتل حتى النهاية، ولن نخسر المعركة لأننا نقاتل من أجل الحقيقة."
ومضى يقول: "إنها جريمة ضد الإنسانية، جريمة ضد أبنائنا غداً وسوف لن نخضع ولن نقبل بذلك أبداً."
وأضاف: "سكان أغاليغا ليسوا خائفين."
إنكار من موريشيوس
تواصلت وحدة تحقيقات الجزيرة مع جميع المهنيين بهذا التحقيق.
عادت حكومة موريشيوس وأكدت على موقفها قائلة إنه "لا وجود لاتفاق بين موريشيوس والهند على إقامة قاعدة عسكرية في أغاليغا." وأضافت إنها استخدمت عبارة "قاعدة عسكرية" لتعني "مرفقاً مملوكاً ومشغلاً من قبل، أو لصالح، الجيش لإيواء المعدات العسكرية والجنود بشكل دائم ولغرض القيام بعمليات عسكرية."
وصرحت بأن أعمال الإنشاءات التي تتم في أغاليغا إنما صممت لتحسين "مرافق البنية التحتية غير الكافية" في الجزيرة، والتي ستبقى "تحت سيطرة السلطات في موريشيوس، وأي استخدام لتلك المرافق من قبل دولة أجنبية سيكون خاضعاً لموافقة الحكومة في موريشيوس."
لم تستجب وزارتا الدفاع والشؤون الخارجية في الهند لطلب التعليق على هذا الموضوع.