جديد
الجامعات البريطانية لا تدقق البحث في التقارير التي تتحدث عن سلوك جنسي منحرف
تكشف وحدة تحقيقات الجزيرة عن شكاوى قدمت ضد عاملين وطلاب إلا أن العادة جرت على ألا ينجم عنها أي إجراءات تأديبية.
29 أكتوبر 2021
خلص تحقيق أجرته الجزيرة إلى أن الجامعات في بريطانيا أخفقت في إجراء تحقيقات شاملة في الغالبية العظمى من الشكاوى التي قدمت ضد موظفين وطلاب متهمين بارتكاب ممارسات سلوكيات جنسية منحرفة.
وجهت الجزيرة طلبات ضمن إجراءات حرية الحصول على المعلومات إلى جميع الجامعات في كافة أنحاء بريطانيا، وعددها 164 جامعة، لمعرفة العدد الإجمالي لشكاوى الممارسات السلوكية الجنسية المنحرفة التي قدمت ضد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الفترة ما بين 2017 و2020، وعدد تلك الشكاوى التي تم التحقيق فيها بشكل كامل وعدد الحالات التي تمخضت عن نتيجة ما بالنسبة لصاحب الشكوى.
قدمت الطلبات ضمن تحقيقنا "تحرش في حرم الجامعة"، وهو عبارة عن سلسلة من حلقات صوتية (بودكاست) ومقاطع فيديو تروي حكايات شخصية حول كيف أثر السلوك الجنسي المنحرف للعاملين في الجامعات وللطلاب فيها بشكل كبير على حياة النساء في العالم الأكاديمي.
أنشأت وحدة تحقيقات الجزيرة قاعدة بيانات تحتوي على ملخصات ووثائق أصلية أرسلت بها الجامعات.
في تصريح للجزيرة، قالت أنًا بول، أستاذ علم الاجتماع: "لا يوجد قانون على مستوى البلد يقرر ما هي المعايير التي ينبغي على الجامعات اتباعها. ولذا لدينا رزم ثم رزم من التوجيهات، وهذا يعني أن بعض الجامعات ستبلي بلاء حسناً في الواقع وبعضها قد يكون أداؤه سيئاً جداً، ولكن يصعب الحكم لأنه لا يوجد من يقوم بالرصد."
أنًا بول هي مؤسس مجوعة 1752 والتي تنشط في مجال المطالبة بتحسين سياسات الجامعات إزاء سوء السلوك الجنسي.
هل لديكم معلومات عن الفساد ترغبون بمشاركتها معنا؟ يمكنكم التواصل مع وحدة تحقيقات الجزيرة على رقم 0097450580207 (واتساب أوسيجنال)، أو ابحثوا عن طرق أخرى للتواصل معنا عبر صفحة البلاغات التابعة لنا.
انعدام التحقيق
تكشف الردود على الطلبات التي تقدمت بها الجزيرة المدى الواسع للإخفاق في التعامل مع الشكاوى المرفوعة، وخاصة بالنسبة للطلاب.
عدد الجامعات التي ردت على طلبات الجزيرة بالمجمل هو 113 جامعة. تكشف هذه الردود عن أن عدد الشكاوى التي رفعت في الفترة من 2017 إلى 2020 ضد طلاب متهمين بسوء السلوك الجنسي هو 1403.
إلا أن العدد الفعلي للشكاوى أكبر من ذلك بكثير، وذلك نظراً لأن بعض الجامعات لم ترد على الطلبات التي وجهتها الجزيرة أو لم توفر التفاصيل المطلوبة حول عدد الادعاءات، وذلك بحجة الحفاظ على الخصوصية.
تشير الوثائق إلى أن 487 من بين 1403 شكوى قدمت ضد سلوكيات جنسية منحرفة تم التحقيق فيها بشكل كامل، بمعني أن الجامعة بدأت تحقيقاً وأتمته.
من بين الشكاوى التي تم التحقيق فيها لم تتخذ الجامعات أي إجراء آخر في 309 من الحالات.
وهذا يعني أن ما يقرب من 87 بالمائة من شكاوى السلوك الجنسي المنحرف لم ينجم عنها إجراء تأديبي من أي نوع ضد المشتكى عليه.
في بعض الحالات غادر الطلاب أو العاملون المتهمون بسوء السلوك الجنسي الجامعة قبل الانتهاء من التحقيق الرسمي.
في العديد من الحالات التي قدم فيها الضحية شكوى رسمية لدى الشرطة قالت الجامعات إنها تنوي إجراء تحقيق شامل بعد أن تصدر نتيجة التحقيقات التي تقوم بها الشرطة. إلا أن معظم الشكاوى التي أسقطتها الشرطة لم تفتح الجامعات بشأنها أي تحقيقات.
على الرغم من أن الكثير من الجامعات تزعم بأن بإمكانها أن تحقق حتى لو أسقطت الشرطة القضايا إلا أن بعض الجامعات مثل جامعة أكسفورد لديها سياسة تزعم بأنه إذا لم يتقدم الطالب بشكوى إلى الشرطة فهي ليست ملزمة بفتح أي تحقيق.
كشفت الجزيرة في الأسبوع الماضي كيف أن اثنين من الأساتذة في جامعة أكسفورد أساءا استغلال موقعيهما بممارسة سلوك ذي طبيعة جنسية وتحت تأثير المسكرات.
سوء سلوك بعض العاملين في الجامعات
من بين 146 جامعة، أرسلت 51 جامعة معلومات بأعداد الموظفين فيها الذين وجهت ضدهم شكاوى بممارسات سلوكية جنسية منحرفة. بالمجمل تم الكشف عن 252 شكوى رفعت ضد أعضاء في هيئة التدريس.
وبالنسبة لهؤلاء كان معدل الاستنزاف للشكاوى التي جرى فيها التحقيق مرتفعاً أيضاً. فواحد وثمانون فقط من بين 252 شكوى ضد سلوك جنسي منحرف قدمت ضد موظفين في الجامعات تم التحقيق فيها بشكل تام. ومن بين الحالات التي جرى فيها التحقيق، لم يتم اتخاذ أي إجراء في 51 منها.
نسبة الموظفين المتهمين بارتكاب سوء سلوك جنسي ثم تم طردهم من وظائفهم بعد التحقيق تبلغ 14 بالمائة مقارنة بثلاثة بالمائة من الطلبة الذين اتهموا باقتراف سلوك جنسي منحرف وتم فصلهم من الجامعات.
عدد الشكاوى الرسمية ضد العاملين في الجامعات المتهمين بسوء السلوك قليلة نسبياً، حيث أن طلبة الدكتوراه والأكاديميين الجدد الذين لم يمض وقت طويل منذ أن وضعوا أقدامهم على هذا الطريق يخشون، كما شرحوا للجزيرة، من تقديم شكاوى رسمية بسبب ما قد يكون لذلك من تأثير خطير على فرص عملهم في السلك الأكاديمي.
وحتى حينما يجري التحقيق في الشكاوى فإن فرص اتخاذ إجراءات تأديبية بحق الجناة المزعومين تبقى ضئيلة جداً.
العديد من المعاهد العلمية تذرعوا بالإعفاءات بموجب قوانين الخصوصية، والعديد منها لم تكلف نفسها مؤنة الرد على الاستفسارات.
’ما كنت لأخوض غمار ذلك تارة أخرى‘
لا يوجد لدى الجامعات في بريطانيا نظام موحد حينما يتعلق الأمر بشكاوى السلوك الجنسي المنحرف، بمعني أن الردود كانت تشتمل على تعريفات متنوعة لما يشكل تحقيقاً شاملاً أو عقوبات ملائمة تتخذ بحق مرتكبي تلك السلوكيات.
تعتبر الإجراءات مضنية جداً لدرجة أن الكثير من الشاكين ينتهي بهم الأمر إلى سحب شكاواهم. معيار الدليل المطلوب مرتفع جداً ومعظم الشاكين لا قبل لهم بالوفاء بمتطلباته.
المعلومات المحيطة بإجراءات الجامعة بالغة التعقيد لدرجة أن كثيراً من الضحايا يشعرون بالرهبة من فكرة التقدم بشكوى أو الاستمرار في إجراءاتها حتى النهاية.
الطالبة في جامعة أكسفورد هارييت، والتي نمتنع عن ذكر اسم عائلتها لأسباب تتعلق بالخصوصية، أخبرت الجزيرة بأن الجامعة "بحسب علمي لم يكن لديها أدنى نية في التحقيق {في قضيتي} لأنني لم يحصل بتاتاً أن دعيت لأي مقابلة."
بعد تقديم شكوى رسمية لكلية باليول في جامعة أكسفورد قالت فيها إنها تعرضت لاعتداء جنسي، قيل لها بأنهم غير ملزمين بالتحقيق في الشكوى لأنها لم تبلغ الشرطة عن الاعتداء الذي تعرضت له.
وهناك ضحية أخرى باسم ميلي – وهو اسم مستعار أطلق عليها لحمايتها – تحدث للجزيرة عن مدى ما تعرضت له من معاناة جراء تقديمها شكوى بتعرضها لسوء سلوك جنسي، حتى أنها ما كان يخطر ببالها أن تعود إلى فعل ذلك تارة أخرى.
قالت ميلي: "ما كنت لأخوض غمار تلك التجربة تارة أخرى. كان مريعاً البقاء في مربع الغموض طوال الوقت. وبإمكاني أن أتفهم لماذا لا يلجأ كثير من الناس إلى استخدام هذه الخدمة لأن كل من أعرفهم ممن مروا بتلك التجربة تعرضوا للخذلان تماماً كما حدث معي.؟"
في رده على استفسار الجزيرة، قال الطالب الذي اتهمته ميلي بسوء السلوك الجنسي إنه برئ من كل الخطايا. وقال إنهما بعد علاقة جنسية بالتوافق لم تدم طويلاً ظلا صديقين مقربين على النمط الأفلاطوني.
وقالت جامعة أكسفورد للجزيرة إنهم لا يمكنهم التعليق على القضايا الفردية ولكنهم يأخذون جميع مزاعم التحرش الجنسي على محمل الجد.
وقالوا إن الشكاوى إذا ما قبلت فإنه يتم بحقها اتخاذ إجراءات تأديبية حيثما كان ذلك مناسباً بالإضافة إلى اتخاذ ما يلزم من خطوات لضمان سلامة وصحة العاملين والطلاب على حد سواء.