مقال رأي
هل سيكون للوسط الأكاديمي لحظة MeToo# "أنا أيضاً" الخاصة به؟
لماذا مازالت الجامعات غير قادرة على معرفة كيف تتعامل مع التحرش الجنسي الذي يمارسه الأكاديميون العاملون لديها؟
28 أكتوبر 2021
بقلم د. أنًا بول، محاضرة في التعليم والعدالة الاجتماعية في جامعة يورك ومنسقة مجموعة 1752.
كشف تقرير أخير للجزيرة عن أن أكاديميين بارزين في الجامعات المرموقة داخل بريطانيا يتحرشون جنسياً بالطلاب والعاملين، وأن مثل هذه السلوكيات استمرت بلا هوادة لعقود عبر مختلف المعاهد وحتى البلدان. من المحزن أن هذه حكاية مألوفة بالنسبة للكثيرين من طلبة الجامعات والعاملين فيها. قد يتساءل كثيرون ممن يقرأن هذه القصص ما إذا سيكون للوسط الأكاديمي حركة MeToo# "أنا أيضاً" الخاصة به، وهل التحرش الجنسي ببساطة هو الثمن الذين ينبغي أن يدفعه المرء لكونه امرأة أو من فئة المثليين داخل الوسط الأكاديمي؟
بالاشتراك مع زملاء في البحث وضمن نشاط منظمة مجموعة 1752، ما لبثت أبحث وأسعى جاهدة لإحداث تغيير في هذا المجال منذ عدة سنوات. ففي 2018 عملنا مع الاتحاد الوطني للطلبة لإعداد مسح للطلبة في كل أرجاء بريطانيا، ووجدنا أن 15 بالمائة من النساء اللواتي تفاعلن معنا تعرضن لتحرش من قبل أحد الموظفين بطريقة سببت لهن الإزعاج. نشرنا بعد ذلك دراسة حول تجارب النساء اللواتي حاولن التقدم بشكاوى لتعرضهن لتحرش جنسي على يد أحد العاملين، فوجدن أن العملية مرهقة للغاية، تستنفد طاقاتهن، وأحياناً تسبب معاناة شديدة، وفي نهاية المطاف لا تجدي نفعاً.
في محاولة منا لتحسين الإجراءات، قمنا في العام الماضي بنشر إرشادات بالتعاون مع مؤسسة قانونية متخصصة بقضايا التمييز اسمها ماكاليستر أوليفارياس حول كيف ينبغي أن تتعامل الجامعات مع مثل هذه التقارير. وأقوم حالياً بأبحاث إضافية، بالتعاون مع إرين شانون، الباحث في جامعة يورك، حيث ندقق في إجراءات الشكوى ضد التحرش الجنسي داخل الجامعات بتفصيل أكبر.
كثير من معاهد الدراسات العليا تقوم حالياً بتحديث سياساتها وإجراءاتها وتسعى لإحداث تغييرات تهدف إلى تحسين تعاملها مع شكاوى السلوكيات الجنسية الشائنة. حصل تقدم خلال السنوات الخمس الماضية، وخاصة فيما يتعلق بتوفير دعم متخصص في الجامعات للأعداد الكبيرة من الطلاب الذين يتعرضون للعنف والتحرش الجنسي.
إلا أن الغالبية العظمى من التركيز ومن الموارد خصصت لسلوكيات الطلاب الجنسية المسيئة. بينما من الواضح أن تلك مساحة تحتاج بإلحاح إلى أن يتم التطرق لها، إلا أنه ينبغي أن تعامل على نفس القدر من الأهمية القضايا التي يكون فيها المتهمين بالتحرش هم من الموظفين، وذلك أن المؤسسة تتحمل مسؤولية مباشرة عن السلوك المهني لمن توظفهم ويعملون فيها. لسبب أو لآخر، مازالت هذه القضية شائكة بالنسبة لهم ويصعب عليهم التعامل معها.
المشكلة المركزية التي تواجه الجامعات هي أن الطلاب – أو بالفعل الموظفون العاملون فيها – الذين يتعرضون للتحرش من قبل الأكاديميين كثيراً ما يمنعهم الخوف من التقدم بشكاوى رسمية حول ما مروا به من تجارب. وهذا الخوف له ما يبرره، فمن خلال بحثي استمعت إلى حكايات تفيد بأن العاملين ينتقمون من خلال تهديد الشاكي، أو من خلال الامتناع عن تعليم الطالب بعد تقديمه للشكوى، أو نشر الإشاعات التي من شأنها أن تدمر فرص الشاكي المهنية، أو الرد على التهم بتهم تجبر المعهد على التحقيق مع الشاكي نفسه.
لا ينبغي أن يغيب عن البال أن أعضاء هيئة التدريس يملكون نفوذاً هائلاً ولهم القدرة على التأثير على الطالب – وفي بعض الأوقات على موظفين آخرين من زملائهم. نتيجة لذلك، بينما قد يكون الكثير من الناس على دراية بما يجري من تحرش جنسي، وهو في العادة سلوك مصاحب لسلوكيات أخرى مزعجة، إلا أن المؤسسة تزعم أنها غير قادرة على التصرف بدون رفع شكوى رسمية تتضمن اسم المعني والدليل على الاتهام، وهذا ما يؤدي في العادة إلى طريق مسدود، وعدم اتخاذ أي إجراء.
لا يكفي هذا الأمر. فبادئ ذي بدء تحتاج جميع المؤسسات إلى عمل ما هو أكثر من أجل ضمان سلامة الناس أثناء المضي قدماً في إجراءات الشكوى. وثانياً، في غياب رد رسمي، ثمة خطوات استباقية أخرى بإمكان المؤسسة اتخاذها لمعرفة المزيد عما يجري ولبناء الثقة مع الطلاب والعاملين ومساندتهم إذا ما رغبوا في التقدم بشكاوى. على سبيل المثال، استحدثت كلية لندن الجامعية "تحقيقات بيئية" يتم إجراؤها فيما لو تلقت الإدارة عدداً من الشكاوى من أشخاص غير معروفين ولكن من نفس القسم.
يمكن أن ينجم عن هذه الخطوات تعزيز الشعور بالثقة لدى الطلاب أو الموظفين فيتحمسون لتقديم الشكاوى، أو قد يكون ذلك بمثابة الخطوة الأولى نحو بناء الثقة. وكما أثبت البحث الذي أجريته، لا يعتبر التقدم بشكوى خطوة معزولة ولمرة واحدة وإنما هو عبارة عن سلسلة من الخطوات التي تستمر الواحدة تلو الأخرى على المدى الطويل، ولذلك تحتاج المؤسسات إلى أن تساعد في خلق بيئة تدعم المتقدم بالشكوى. ولكن لسوء الحظ مازالت الثقة داخل المؤسسات التعليمية شحيحة حالياً لأسباب تتعلق بالظروف الأوسع للتعليم العالي، بما في ذلك الأعباء الكبيرة التي يصعب إدارتها والمستويات المرتفعة من العمل المتزعزع.
نتيجة لذلك، لعل الأكثر أهمية هو إثبات المؤسسات أنها سوف تتعامل مع الشكاوى الرسمية بسرعة دون تسويف وبحساسية. وهذا ليس بالأمر اليسير. فحتى عندما تتلقى الجامعات شكاوى رسمية، لدينا من الأدلة ما يثبت أنها لا تؤخذ على محمل الجد، أو قد يحظى الموظف الذي تقدم ضده الشكوى بالحماية على حساب من يشكون عليه. هناك مؤشرات على أن اتجاه التيار يوشك أن يتغير – فمع أنه يبدو نادراً أن يفقد عضو هيئة تدريس وظيفته، إلا أن هذا يحدث. لكن الذي يحدث في العادة هو أن عضو هيئة التدريس يقدم استقالته أثناء التحقيق ليجد وظيفة في مكان آخر، وهي ظاهرة تعرف تندراً بعبارة "تمرير الجاني".
كثير من هذه الأساليب في التستر على التحرش الجنسي تجد جذورها في قبول القطاع الأكاديمي بتوازنات القوة وبسوء استخدام النفوذ. وصف أستاذ متخصص في قضايا العنف الجنسي، واسمه ليز كيلي، تلك الأمور بأنها "سياقات يكون فيها موقع الرجل وسلطانه، بدلاً من استنهاض خلق العطف والرعاية، قابلاً للاستغلال من قبل رجال مسيئين بهدف التخويف والإسكات"، أو إنه باختصار "السياق المورد" إلى ممارسة العنف ضد النساء. مثل هذا السياق يتخذ شكل "السلطة المؤسساتية والنفوذ الذي يخلق إحساساً بالأحقية، ولا يقابل ذلك إلا بقدر محدود من التحدي الخارجي". وبناء عليه فإن العمل المطلوب على المدى الأطول هو تغيير ثقافة التعليم والتعلم.
ولكن في هذه الأثناء ثمة الكثير مما يمكن أن يفعل في مجال تحسين الاستجابة المؤسساتية من خلال مقاربة مشتركة عبر القطاع. إحدى الخطوات الملحة تتمثل في قيام خدمة الاستشارات والتصالح والتحكيم ومكتب المحكم المستقل في بريطانيا – وهما الجهتان اللتان تناط بهما مسؤولية الإشراف والرقابة على شكاوى الموظفين والطلاب على الترتيب – بتحديث إرشاداتهم لكي تؤدي الغرض المطلوب منها، ألا هو التصدي للتحرش الجنسي الذي يمارسه العاملون في القطاع وغير ذلك من قضايا انعدام المساواة.
كثير من المشاكل المتعلقة بالتعامل مع شكاوى التحرش الجنسي تشبه شكاوى الطلاب الذين يقعون ضحية للتحرش العنصري أو لأشكال أخرى من التمييز، كما وصفت الأستاذة المستقلة سارة أحمد. فعلى سبيل المثال، وبسبب إعطاء الجامعات الأولوية لحماية البيانات على الواجبات القانونية – بما في ذلك المساواة والصحة والسلامة وحقوق الإنسان – فإن كثيراً من الجامعات لا تعبأ حتى بتبليغ الشاكين بنتيجة شكاويهم أو بما يتم اتخاذه من عقوبات ضد المشكو عليهم، وذلك على الرغم من تحديث الإرشادات في يناير (كانون الثاني) الماضي من قبل هيئة المساواة وحقوق الإنسان.
وأيضاً هناك ما هو أكثر بكثير مما يمكن أن يعمل في مجال الوقاية وجمع البيانات وتقديم التقارير. في إيرلندا، على سبيل المثال، يوشكون على نشر استطلاع تجريه الحكومة على المستوى الوطني حول التحرش الجنسي في معاهد الدراسات العليا – بين العاملين والطلاب على حد سواء. أما في بريطانيا، فليس لدينا دراسات مشابهة على المستوى الوطني. بل بالإضافة إلى نقص المعرفة على المستوى الوطني، وعلى المستوى المؤسساتي، هناك أيضاً ندرة في البيانات. كما أن معظم الجامعات لا تنشر أرقاماً حول عدد الشكاوى التي تتلقاها وحول نتائج التحقيق في تلك الشكاوى. ما من شك في أن توفير مثل هذه البيانات وإعلانها على الملأ من شأنه أن يحسن من مستوى الشفافية، وسيكون ذلك مكسباً في حد ذاته.
ولكن هذه الخطوات تأتي متأخرة جداً بالنسبة للطلاب والعاملين الذين فقدوا وظائفهم وسنوات من حياتهم وعانوا تداعيات تعرضهم للتحرش والأذى، بينما أخفقت مؤسساتهم في توفير الحماية اللازمة لهم. يمكن لآثار التحرش والعنف الجنسي أن تكون عميقة وطويلة المدى. بدأت فقط مؤخراً الجامعات وغيرها من المؤسسات في المجتمع تصحو لتدرك حجم التحدي. لا توجد حلول سريعة لقضايا معقدة وقديمة ومتراكمة مثل تلك، ولكن من الممكن تحسين الأمور. فهيا بنا نعمل.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري للجزيرة.
د. أنًا بول هي محاضرة في التعليم والعدالة الاجتماعية في جامعة يورك ومنسقة مجموعة 1752.